(اسْتَجابُوا) ، أي استجابوا الاستجابة الحسنى ، قوله (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) أي لم يجيبوا ربهم ولم يطيعوه في الدنيا ، وهم الكافرون ، يجوز أن يكون عطفا على (لِلَّذِينَ) ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، خبره (لَوْ) ثبت (أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) يوم القيامة (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) أي وضعفه (١) مع ما في الأرض جميعا (لَافْتَدَوْا بِهِ) أي لبذلوه افتداء لأنفسهم من النار ، ولو افتدوا به (٢) لا يقبل منهم (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) أي المناقشة أو المجازاة بجميع ذنوبهم مع التوبيخ ، قيل : «سوء الحساب هو الذنب الذي (٣) يحاسب به العبد يوم القيامة ثم لا يغفر له» (٤)(وَمَأْواهُمْ) أي مستقرهم بعد المناقشة (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [١٨] أي ساء الفراش الممهود لهم في النار.
(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩))
قوله (أَفَمَنْ يَعْلَمُ) أي أبعد ما ضرب من المثل المذكور للعالم والجاهل فمن يوقن (أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي أن الذي أنزله إليك بجبريل (مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) فآمن به وعمل بما فيه (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) عنه لا يعلمه ولا يعمل به ، قيل : نزلت الآية في حمزة وأبي جهل فعمت (٥) ، والهمزة الداخلة على الفاء العاطفة لإنكار (٦) الشبه والتسوية (٧) ، يعني لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصره ولا يتبعه (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) أي لا يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) [١٩] أي ذوو العقول من الناس ، وهم المؤمنون المستبصرون.
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠))
ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) أي بما أمرهم به وفرضه عليهم فلا يخالفونه (٨)(وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) [٢٠] أي العهد الذي أخذ الله عليهم في كتابهم أو الميثاق الذي أخذه على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه.
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١))
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) بدل من المجرور ، أي يصلون الأرحام التي أمروا بأن يصلوها ولا يقطعونها ، فالمراد من ذلك صلة الرحم ، وقيل : الإيمان بجميع الرسل والكتب من غير فرق بينهما (٩) ، والأكثر على الأول ، قال النبي عليهالسلام : «ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» (١٠) ، وقال عليهالسلام : «ثلاثة تحت العرش يوم القيامة القرآن يحاج العباد له ظهر وبطن والأمانة والرحم ينادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» (١١) ، وقال عليهالسلام : «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» (١٢) ، وأراد من الأثر العمر ومن النسأ التأخير (١٣) ، وقيل : يدخل في معنى الآية من التواصل جميع أبواب البر والإحسان كعيادة مريض وإجابة دعوة شرعية واتباع جنازة والتحاب في الله والإنعام إلى كل من يحتاج إليك بكل شيء أمكنك ولو باعانة بحق (١٤)(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي يمتنعون عما نهاهم الله عنه خوفا منه تعالى ، والخشية هي الامتناع عن حرمات الله (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) [٢١] أي شدته خصوصا.
__________________
(١) وضعفه ، ب س : وضعه ، م.
(٢) ولو افتدوا به ، ب س : ـ م.
(٣) الذي ، س م : ـ ب.
(٤) عن إبراهيم النخعي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٩٠.
(٥) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٤٩.
(٦) لإنكار ، ب س : للإنكار ، م.
(٧) الشبه والتسوية ، ب س : ـ م.
(٨) فلا يخالفون ، ب س : فلا تخالفون ، م.
(٩) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٤٩.
(١٠) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٥ / ٣٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٥٠.
(١١) انظر البغوي ، ٣ / ٣٥٠. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(١٢) رواه البخاري ، الأدب ، ١٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٥٠.
(١٣) ومن النسأ التأخير ، ب س : ـ م.
(١٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.