وجر (السَّماواتِ)(١) إضافة أي خالقهما (بِالْحَقِّ) أي بالصدق والحكمة والغرض الصحيح ولم يخلقهما باطلا ولا شهوة ، وإنما خلقهما لأمر عظيم أراده منكم وهو أن تعرفوا وتطيعوه ولا تعصوه (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي يهلككم إن عصيتموه (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [١٩] سواكم أطوع لله منكم على شكلكم أو على خلاف شكلكم ، وهو إعلام منه تعالى باقتداره على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم وتهديد شديد لهم ليخافوه ولا يعصوه.
(وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠))
(وَما ذلِكَ) أي وليس إهلاككم وإيجاد قوم آخرين (عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) [٢٠] أي بمتعذر أو عسير ، بل هو عليه هين يسير ، لأنه القادر بالذات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ، فهو الحقيق بأن يخاف عقابه من معصيته ، ويرجى ثوابه من طاعته في دار الجزاء والوفاء.
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢))
ثم أخبر عن حال الرؤساء والأتباع عند اجتماعهم للحشر والحساب بصيغته الماضي لصدق وعده ، كأنه قد كان ووجد بقوله (وَبَرَزُوا) أي برز الكفار من قبورهم يوم البعث ويظهرون (لِلَّهِ جَمِيعاً) أي لحسابه بلا ستر أو علموا أن الله لا يخفى عليه شيء فانكشفوا لله عند أنفسهم ولا يكونون كما ظنوا في الدنيا أن ارتكاب الفواحش مخفي عليه تعالى (فَقالَ الضُّعَفاءُ) أي الأتباع توبيخا (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان بالرسل أو تكبروا على الناس وهم الرؤساء (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) جمع تابع مثل حرس وحارس وهو المستن بآثار من يتبعه (٢)(فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ) أي دافعون (عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أو حاملون منه ، ف (مِنْ) الأولى للتبيين والثانية للتبعيض ، وهذه الجملة الاستفهامية من باب التبكيت لهم ، لأنهم قد علموا أن لا قدرة لهم على الإغناء عنهم (قالُوا) أي الرؤساء للأتباع معتذرين عما صدر منهم إليهم (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) أي لو أرشدنا إلى الإيمان به لدعوناكم إلى الإيمان به ، ولكنه أضلنا فأضللناكم ، قيل : «هم يقولون في النار تعالوا نجزع ، فيجزعون خمسمائة عام ، فلا ينفعهم الجزع ، فيقولون تعالوا نصبر ، فيصبرون خمسمائة عام ، فلا ينفعهم الصبر فحينئذ يقولون (٣) : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) [٢١] أي ملجأ نعتصم به ، والهمزة و (أَمْ) للتسوية ، والجملة متصلة بما قبلها من حيث إن العقاب منهم كان جزعا مما هم فيه.
قال الحسن : «إذا دخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة يلوم أهل النار إبليس ، ويقولون : أنت الذي أضللتنا عن طريق الحق في الدنيا ، فيقوم إبليس مجيبا عن قولهم ، ويصعد على منبر من النار خطيبا بالقول الحق ليزداد حسرتهم وندامتهم ، فيجتمع على الكفار بالأئمة من الجن والإنس ويخطبهم في النار» (٤) ، وهو المراد بقوله (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي فرغ من الحساب وقطع (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) الذي لا ريب فيه ، وهو البعث بعد الموت والحساب والجزاء والجنة والنار فوفى لكم (وَوَعَدْتُكُمْ) وعد الباطل بأنه لا جنة ولا نار ولا
__________________
(١) «خلق السموات والأرض» : قرأ الأخوان وخلف بألف بعد الخاء مع كسر اللام ورفع القاف وخفض تاء «السموات» وضاد «الأرض» ، والباقون بحذف الألف وفتح اللام والقاف ونصب «السموات» بالكسرة ونصب «الأرض» بالفتحة الظاهرة. البدور الزاهرة ، ١٧٢.
(٢) من يتبعه ، س م : من تتبعه ، ب.
(٣) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٧٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٠٤ (عن السدي).
(٤) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٠٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٧٥ (عن مجاهد).