نضر بن الحارث حين قالوا : لو نشاء لقلنا مثل هذا وكان يحدث لكفار مكة عن الأمم الماضية من حديث رستم واسفنديار (١)(وَلَوْ تَرى) أي لو تعلم يا محمد الكفار (إِذِ الظَّالِمُونَ) أي وقت كون الظالمين من المستهزئين والمفترين وغيرهم من الكفار (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) أي في شدائده وسكراته ، والغمرة في الأصل ما يغمر الشيء من الماء ونحوه ، فاستعيرت للشدة وحذف الجواب تعظيما ، أي لرأيتهم في عذاب وجيع (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) أي والحال أنهم يبسطونها لقبض الأرواح يقولون للكافرين تهويلا لعذابهم (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) لنقبضها أو خلصوها من العذاب إن استطعتم (الْيَوْمَ) ظرف ل (أَخْرِجُوا) ، فيكون القول عند الموت أو ظرف (تُجْزَوْنَ) فيكون يوم القيامة ، أي تعذبون اليوم (عَذابَ الْهُونِ) أي الهوان الشديد (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ) في الدنيا كلاما (غَيْرَ الْحَقِّ) مفعول القول بأن له شريكا وغير ذلك (وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ) أي عن القرآن ومحمد (تَسْتَكْبِرُونَ) [٩٣] أي تتعظمون (٢) فلا تؤمنون.
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤))
قوله (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) نزل حين قالوا افتخارا واستخفافا للفقراء : نحن أكثر أموالا وأولادا في الدنيا وما نحن بمعذبين في الآخرة (٣) ، فقال تعالى يوم القيامة ولقد جئتمونا منفردين عن أموالكم وأولادكم ، جمع فردان كسكران وسكارى (كَما خَلَقْناكُمْ) صفة مصدر محذوف ، أي مجيئا مثل خلقنا إياكم أو نصب على الحال من (فُرادى) ، أي مشبهين بما كان (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي في ابتداء خلقكم حفاة عراة غرلا وهو ظرف ل «خَلَقْناكُمْ» (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ) أي الذي أعطيناكم من المال والولد (وَراءَ ظُهُورِكُمْ) في الدنيا بغير اختياركم (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ) أي لا نرى آلهتكم (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) في الدنيا (أَنَّهُمْ فِيكُمْ) أي في استعبادكم (شُرَكاءُ) لله ، يعني قلتم إنهم شركاء لي في العبادة ولكم شفعاء عند الله (لَقَدْ تَقَطَّعَ) أي وقع القطع ، يعني تقطع وصلكم (بَيْنَكُمْ) بالنصب ظرفا ، وبالرفع (٤) فاعل (تَقَطَّعَ) ، لأن البين كما يكون بمعنى التباين يكون بمعنى الوصل أيضا لكونه من الأضداد (وَضَلَّ) أي غاب (عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٩٤] من أنهم شفعاؤكم يوم البعث.
(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥))
ثم أخبر تعالى عن أوصاف ربوبيته التي بها يستحق الوحدانية ليوحدوه بقوله (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) أي شاقهما وخالقهما بعد يبسهما عن ورق أخضر ، والمراد من (الْحَبِّ) كل الحبوب كالبر والشعير والذرة ، ومن (النَّوى) كل ثمرة فيها هواة كالإجاص والتفاح والخوخ والمشمش (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كالجملة المبينة ل (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) ، أي يخرج بالخلقة الحيوان والنامي من النطف والبيض ، ومن الحب والنوى اليابسين (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) أي مخرج غير الحيوان والنامي كالنطفة والبيضة من الحيوان ، وكالحب والنوى اليابسين من النامي ، لأنه في حكم الحي ، و «مخرج الميت» اسم معطوف على (فالِقُ) دون الفعل ، لأنه ليس بيانا ل (فالِقُ الْحَبِّ) كبيان الفعل الذي هو يخرج الحي لكونه ضده.
(ذلِكُمُ اللهُ) أي هذا المحيي والمميت هو الله الذي يحق له الربوبية لا أصنامكم (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [٩٥] أي كيف تصرفون عن ربكم الحق إلى غيره الباطل.
__________________
(١) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ٧٨.
(٢) تتعظمون ، س م : تعظمون ، ب.
(٣) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٤) «بينكم» : قرأ المدنيان وحفص والكسائي بفتح النون ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١٠٦.