عليهالسلام ، وكان رئيسهم أنه مكتوب في التورية ، فغضب وأنكر الوحي إلى البشر عنادا (١) ، فقال تعالى ما عظموا الله حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته بمجادلة محمد وإنكار القرآن (إِذْ قالُوا) أي اليهود (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) فعزلته اليهود بهذه الكلمة عن الرياسة ، ثم قال تعالى (قُلْ) يا محمد تقريرا لهم بالاستفهام (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً) حال من «الكتاب» ، أي ضياء من ظلمة الجهل (وَهُدىً لِلنَّاسِ) أي إرشادا لهم إلى الحق من الضلالة (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) أي تكتبونه في الصحف المتفرقة (تُبْدُونَها) أي تظهرون بعض ما فيها (وَتُخْفُونَ كَثِيراً) مما فيها من نعت محمد وغيره من الأحكام ، قرئ بالتاء في هذه الأفعال الثلاثة خطابا وبالياء غيبة (٢)(وَعُلِّمْتُمْ) يا طائفة اليهود على لسان محمد عليهالسلام في القرآن (ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) في التورية ، فان لم يجيبوا عن قولك الذي استفهمتهم فأنت (قُلْ) أنزله (اللهَ) على موسى لا غير (ثُمَّ ذَرْهُمْ) أي اتركهم إن لم يصدقوك (فِي خَوْضِهِمْ) أي في باطلهم (يَلْعَبُونَ) [٩١] أي يهزؤون ، محله نصب على الحال من مفعول «ذرهم».
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢))
ثم وصف القرآن بما يكون داعيا لهم على الإيمان به بقوله (وَهذا) أي القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) عليك يا محمد (٣)(مُبارَكٌ) أي كثير الخير لمن عمل به ، لأنه فيه مغفرة لذنوبه ، قيل : «ومن بركاته أنه إذا قرئ على ذي عاهة برئ وإذا يتلى في بيت خرج منه الشيطان» (٤)(مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب المنزلة (وَلِتُنْذِرَ) عطف على مقدر ، أي لتبشر به ولتخوف أو لتعمل به ولتنذر بالتاء خطابا للنبي عليهالسلام وبالياء غيبة (٥) ، أي لينذر الكتاب (أُمَّ الْقُرى) أي مكة ، يعني أهلها ، وسميت بها (٦) لعظم منزلتها أو لأن أهل القرى يأمونها للزيارة مثابة لهم (٧) أو لأن الأرض دحيت من تحت كعبتها ، فهي أصل جميع القرى ، وعطف عليها (وَمَنْ حَوْلَها) أي لتنذر أهل شرق الأرض وغربها (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالقرآن وينكره من ينكرها ، أي البعث (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ) المفروضة (يُحافِظُونَ) [٩٢] أي يداومون بوضوءها وأركانها ومواقيتها.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣))
قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي اختلق كذبا ، مفعول به ، نزل في مسيلمة الكذاب صاحب صنعاء اليمن حين زعم أن الله أوحي إليه بالنبوة (٨)(أَوْ) ممن (قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) نزل في عبد الله بن سعد بن أبي السرج كاتب الوحي حين قال إن كان محمد صادقا في قوله فلقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، وذلك عند مجيء جبرائيل بقوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)(٩) إلى آخر الآية ، فتعجب من تفضيل خلق الإنسان ، فقال تبارك الله أحسن الخالقين ، فقال عليهالسلام : «اكتبها» ، فكذلك نزلت فشك عبد الله فلحق بالمشركين بالارتداد ، ثم أسلم قبل الفتح (١٠)(وَمَنْ) أي أو ممن (قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) نزل في
__________________
(١) عن سعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٢ / ٣٩٠ ؛ والواحدي ، ١٨٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٠٠.
(٢) «تجعلونه» ، «تبدونها» ، «تخفون» : قرأ المكي والبصري بياء الغيب في الأفعال الثلثة ، والباقون بتاء الخطاب فيها. البدور الزاهرة ، ١٠٦.
(٣) عليك يا محمد ، ب س : علي محمد ، م.
(٤) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٠١.
(٥) «ولتنذر» : قرأ شعبة بياء الغيب ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ١٠٦.
(٦) وسميت بها ، س : وسميت به ، ب م.
(٧) لهم ب م : لها ، س.
(٨) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٢ / ٣٩٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٠١ ؛ والواحدي ، ١٨٥.
(٩) المؤمنون (٢٣) ، ١٢.
(١٠) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٩٢ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٨٦.