إبراهيم وسارة كانت أخت لوط (وَكلًّا) أي كل واحد من هؤلاء (فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) [٨٦] أي عالمي زمانهم بالنبوة.
(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧))
ثم قال (وَمِنْ آبائِهِمْ) عطفا على «كلا» ، أي وفضلنا بعض آبائهم (وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) كآدم ونوح وإدريس وهود وصالح ، ثم قال توضيحا (وَاجْتَبَيْناهُمْ) أي اصطفيناهم بالنبوة والرسالة (وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٨٧] أي دين الإسلام.
(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨))
(ذلِكَ) دين الإسلام (هُدَى اللهِ) أي دينه الذي ارتضاه لنفسه (يَهْدِي) أي يرشد (بِهِ) أي بدينه (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) إلى كرامته باتباعه (وَلَوْ أَشْرَكُوا) أي الأنبياء المذكورون مع جلالة قدرهم عنده (لَحَبِطَ) أي لبطل (عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٨٨] من الطاعة ، يعني لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم ، وهذا تعريض للمشركين.
(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩))
ثم قال حثا على اتباعهم (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي الكتب السماوية (وَالْحُكْمَ) أي العلم والفقه (وَالنُّبُوَّةَ) لدعوة الخلق إلى الحق (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) أي بهذه الأشياء التي آتيناهم إياها (هؤُلاءِ) أي أهل مكة (فَقَدْ وَكَّلْنا) أي أكرمنا (بِها قَوْماً) وهم الأنبياء المذكورون أو الصحابة (١) أو جميع أهل الإيمان أو الملائكة (لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) [٨٩] أي بجاحدين ، بل يحفظونها كحفظ الرجل ما يوكل عليه ، والباء في (بِها) يتعلق بما بعدها وفي (بِكافِرِينَ) زائدة لتأكيد النفي.
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠))
ثم أشار إلى الأنبياء المذكورين قبل بقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أي أرشدهم الله تعالى بالتوحيد والنبوة والصبر على أذى أممهم ، ثم أمر تعالى النبي عليهالسلام باتباعهم في التوحيد وأصول الدين والتبليغ والصبر على المشاق دون الشرائع لكونها مختلفة بحسب اختلاف الزمان بقوله (فَبِهُداهُمُ) أي بسنتهم وملتهم (اقْتَدِهْ) أي اتبع ، قدم المفعول لإفادة الحصر ، والهاء في فعله للسكت ، قرئ باثباتها لثبوتها في مصحف الإمام بالسكون وقفا ووصلا ، وبالكسر وبصلتها بياء (٢) تشبيها لها بما هو أصل ، وقيل : الهاء كناية عن المصدر (٣) كما في قوله (أُعَذِّبُهُ أَحَداً)(٤) ، ثم قال تحريضا لهم للاقتداء بالنبي عليهالسلام (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) أي قل للمشركين لا أطلب منكم (عَلَيْهِ) أي على الإنذار بالقرآن (أَجْراً) أي جعلا (إِنْ هُوَ) أي ما القرآن (إِلَّا ذِكْرى) أي موعظة (لِلْعالَمِينَ) [٩٠] أي للجن والإنس ، وأنتم منهم فاتعظوا به.
(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١))
قوله (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) نزل حين قال عمر رضي الله عنه لمالك بن الضيف من اليهود في شأن النبي
__________________
(١) أو الصحابة ، م : والصحابة ، ب ، أو أصحابهم ، س.
(٢) «اقتده» : قرأ المدنيان والمكي والبصري وعاصم باثبات الهاء ساكنة وصلا ووقفا ، وقرأ الأخوان ويعقوب وخلف بحذفها وصلا واثباتها ساكنة وقفا ، وقرأ هشام باثباتها مكسورة من غير إشباع وصلا ، وباثباتها ساكنة وقفا ، وقرأ ابن ذكوان باثباتها مكسورة مع الإشباع وصلا ، وباثباتها ساكنة وقفا. البدور الزاهرة ، ١٠٦.
(٣) نقل المؤلف هذا الرأي عن البيضاوي ، ١ / ٣١٠.
(٤) المائدة (٥) ، ١١٥.