خوف ، يعني ما لكم تنكرون الأمن على في مقام الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في مقام الخوف ، ثم استفهمهم تبكيتا بقوله (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) من فريق المشركين وفريق الموحدين (أَحَقُّ) أي أجدر (بِالْأَمْنِ) من العذاب ، قيل : ولم يقل إبراهيم أنا وأنتم بدل قوله (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) خوفا من تزكية النفس المنهية بقوله (١)(فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)(٢)(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [٨١] صدق القول.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢))
قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا) أي لم يخلطوا (إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) أي بشرك ، مبتدأ ، خبره (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) من العذاب (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [٨٢] من الضلالة وهذا قول الله لبيان أهل الأمن في الآخرة ، وقيل : قول إبراهيم لقوله ترغيبا لهم إلى التوحيد (٣) ، وفي معناه قوله عليهالسلام : «من جاء بكلمة لا إله إلا الله يوم القيامة ولم يخلط معها غيرها ـ أي الشرك ـ وجبت له الجنة» (٤).
(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣))
ثم قال (وَتِلْكَ) أي محاجة إبراهيم قومه من قوله (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) إلى قوله «مُهْتَدُونَ» (حُجَّتُنا آتَيْناها) أي أعطيناها (إِبْراهِيمَ) حجة (عَلى قَوْمِهِ) يعني وقفناه لأجلها (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) بالتنوين ، ف «من» محله نصب مفعول (نَرْفَعُ) ، ف (دَرَجاتٍ) نصب على الظرف أو على المصدر من غير لفظه ، أي رفعات أو على التمييز ، لأنه ما رفع أنفسهم وإنما رفع درجاتهم ، وقرئ بالإضافة (٥) إلى (مَنْ) ، ف (دَرَجاتٍ) مفعول (نَرْفَعُ) ، أي في العلم والحكمة أو بالحجة في الدنيا وبالثواب في الآخرة (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) في أمره (عَلِيمٌ) [٨٣] بمن هو أهل للنبوة من خلقه.
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤))
(وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم (إِسْحاقَ) من سارة ولها مائة سنة إلا واحدة ولإبراهيم مائة وعشرون سنة (وَيَعْقُوبَ) من إسحق (كُلًّا هَدَيْنا) أي هدينا كل واحد من إسحق ويعقوب بالنبوة والإسلام (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) أي هدينا نوحا بالنبوة والإسلام من قبل إبراهيم (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) أي ذرية نوح هدينا (داوُدَ) عطف على «نُوحاً» (وَسُلَيْمانَ) بن داود (وَأَيُّوبَ) وهو من ولد عيصو بن إسحق (وَيُوسُفَ) بن يعقوب (وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ) أي مثل جزائنا لهؤلاء المذكورين بالفضائل (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [٨٤] أي نوفي أجر الموحدين.
(وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥))
(وَزَكَرِيَّا) أي وهدينا من ذرية إبراهيم زكريا (وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ) بالنبوة والإسلام ، قيل : «كان إلياس من سبط يوشع بن نون تلميذ موسى» (٦) ، قيل : «من ولد إسمعيل» (٧)(كُلٌّ) أي كل واحد من هؤلاء (مِنَ الصَّالِحِينَ) [٨٥] بالنبوة.
(وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦))
(وَإِسْماعِيلَ) أي هديناه وهو من صلب إبراهيم (وَالْيَسَعَ) وهو تلميذ إلياس النبي وكان خليفته بعده ، قرئ بلامين مشددا إحديهما لام التعريف ، وبلام واحدة مخففا (٨)(وَيُونُسَ) بن متى (وَلُوطاً) بن هازم بن آزر أبي
__________________
(١) نقله المصنف عن الكشاف ، ٢ / ٧٦.
(٢) النجم (٥٣) ، ٣٢.
(٣) أخذ المؤلف هذا الرأي عن السمرقندي ، ١ / ٤٩٨.
(٤) روى أحمد بن حنبل نحوه ، ٥ / ٢٤٧.
(٥) «درجات» : قرأ الكوفيون ويعقوب بتنوين التاء ، والباقون بحذفه. البدور الزاهرة ، ١٠٦.
(٦) عن القتبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٩٩.
(٧) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٩٩.
(٨) «وليسع» : قرأ الأخوان وخلف بلام مشددة مفتوحة وبعدها ياء ساكنة ، والباقون بلام خفيفة ساكنة وبعدها ياء مفتوحة. البدور الزاهرة ، ١٠٦.