(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) في موضع الحال ، و (عَلَى) بمعنى مع ، أي والحال أني كبير السن ، وهو ابن تسع وتسعون سنة ، وإنما ذكر تلك الحالة ، لأن المنة بهبة الولد فيها أعظم ، إذ هو حال اليأس من الولادة ولذلك حمد الله على أن وهبه في ذلك السن (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) وكان إسمعيل أكبر من إسحق بثلث عشرة سنة ، لأنه ولد وهو ابن مائة واثني عشر سنة (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) [٣٩] أي تقبله (١) من الداعي المخلص واعتد به من قولك سمع الملك كلام فلان إذا قبله واعتبره.
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠))
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) أي متمها بأركانها والمحافظ عليها (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على الياء في (اجْعَلْنِي) ، أي اجعل منهم من يقيمون الصلوة ويحافظونها ، و (مِنْ) فيه للتبعيض ، لأنه علم باعلام الله أنه يكون في ذريته كفار كما في قوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٢)(رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) [٤٠] أي استجبه ولا ترده أو تقبل عبادتي ، سميت به لأن الدعاء مخ العبادة كما جاء في الحديث (٣).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))
(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) أي لأمي وأبي بشرط إسلامهما ، وقيل : أراد آدم وحواء (٤) ، قيل : إنه من مجوزات العقل وكان قبل أن ينهاه الله عن استغفار الكفار وقد بين الله عزوجل عذر خليله في استغفاره لأبيه (٥) في سورة التوبة (٦)(وَلِلْمُؤْمِنِينَ) أي واغفر لجميعهم (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) [٤١] أي يظهر ويثبت محاسبة الخلق أو يقوم أهل الحساب من القبور بتقدير المضاف ، لأن قيامه حق لا يخلف الله وعده.
(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣))
ثم نزل تسلية للمظلوم وتهديدا للظالم بقيام الساعة وظهور الجزاء والحساب (٧)(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ) بكسر السين وفتحها (٨) ، أي لا تظنن الله يا محمد (غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [٤٢] أي لا يخفى عليه أعمالهم وهو تثبيت للمخاطب وهو الرسول عليهالسلام على ما كان عليه ، ويجوز أن يكون خطابا لغير النبي عليهالسلام على العموم ، المعنى : ان الله رقيب عليهم ومحاسب بالنقير والقطمير ولو شاء لعجل عقوبتهم في الدنيا.
(إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) بالنون وبالياء (٩) ، أي يمهلهم (لِيَوْمٍ) أي لأجل يوم (تَشْخَصُ) أي ترتفع وتزول (فِيهِ) أي في ذلك اليوم (الْأَبْصارُ) منهم عن أماكنها لهول ما ترى أو لا تغمض لذلك ، من شخص بصر فلان إذا فتح عينيه ولم يتحرك أجفانه لتغتمض عن الهيبة ، والمراد إدامة النظر إلى المرئي من الخوف (مُهْطِعِينَ) أي مسرعين إلى إجابة الداعي إلى النار ، وهو حال من (الْأَبْصارُ) بتقدير المضاف إليه في المعنى ، أي أبصارهم ، من أهطع البعير إذا أسرع في سيره ، ومعنى «الإسراع» أنهم لا يلتفتون يمينا ولا شمالا ولا يعرفون مواطئ أقدامهم (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) أي رافعيها ملتصقة بأعناقهم ، قيل : «المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه مفتوحا» (١٠) ، وقال الحسن : «وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد» (١١) ، ولا يطرف جفنيه ،
__________________
(١) تقبله ، س م : يقبله ، ب.
(٢) البقرة (٢) ، ١٢٤.
(٣) رواه الترمذي ، الدعاء ، ١ (الدعاء مخ العبادة) ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٨٦.
(٤) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ١٢٤.
(٥) اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٨٦ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٢٤.
(٦) انظر التوبة (٩) ، ١١٤.
(٧) عن ميمون بن مهران ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٨٧.
(٨) «ولا تحسبن» : فتح السين عاصم والشامي وحمزة وأبو جعفر وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٧٤.
(٩) لعله أخذ هذه القراءة عن السمرقندي ، ٢ / ٢١٠.
(١٠) عن القتيبي ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٨٧.
(١١) انظر البغوي ، ٣ / ٣٨٧.