يحفظوه وقد خرج يومئذ ما يخرج أربعين يوما» (١).
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢))
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ) مفردا على تأويل الجنس وجمعا (٢)(لَواقِحَ) أي حوامل ، لأنها تحمل الماء إلى السحاب ، جمع لاحقة وهي ناقة تحمل الولد أو اللواقح بمعنى الملقحات ، يعني يرسل الله الريح فتلقح السحاب ، أي تجعلها ذات حبل كالفحل تلقح الأنثى ، ثم تمر به فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر ، قيل : «لا تقطر قطرة من السماء إلا بالرياح الأربعة ، فالصبا تهيجه والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه» (٣) ، قيل : استعمال الريح للشر والرياح للخير (٤) ، قال ابن عباس : «ما هبت ريح قط إلا جثا النبي عليهالسلام على ركبتيه وقال : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (٥) ، أي شرا (٦) ، والحديث محمول على الغالب ، لأنه قد جاء في القرآن الريح بمعنى الخير كما في قوله (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(٧) ، (فَأَنْزَلْنا) بارسالها (٨)(مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أي جعلنا المطر لكم سقيا تسربونه ، يقال : سقي وأسقى بمعنى واحد ، وقيل : سقيت الرجل ماء إذا أعطاه ليشرب واسقيته إذا أعطاه لشرب أرضه أو ماشيته (وَما أَنْتُمْ لَهُ) أي للمطر (بِخازِنِينَ) [٢٢] أي بحافظين في خزائنكم بل نحن الخازنون الحافظون في خزائننا فنتصرف فيه إذا نشاء.
(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣))
(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) أي نحيي الأرض بالمطر أيام الربيع ونميتها أيام الخريف أو نحيي للبعث ونميت في الدنيا ، فلا يبقى حي سوانا (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) [٢٣] أي المالكون أو الباقون بعد فناء الخلق.
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤))
قوله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ) أي الأموات (مِنْكُمْ) أي من يتقدم في صف الصلوة أو صف القتال (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) [٢٤] أي الأحياء ومن يستحيي (٩) منكم أو من يتأخر في صف الصلوة أو صف القتال أو المستقدمون هم القرون الأولى ، والمستأخرون أمة محمد عليهالسلام أو السابقون في الطاعة والخير والمبطئون عن ذلك أو الأولون هم المصلون في أول الوقت والآخرون هم المصلون في آخره أو الأولون والآخرون في الإسلام إشارة إلى أن الله عزوجل عالم بالكليات والجزئيات من الموجودات كلها.
قيل : نزلت الآية حين كانت امرأة حسناء تصلي خلف النبي عليهالسلام ، وكان بعض الناس يتقدم الصف الأول لكي لا يراها ويتأخر بعضهم عنه لكي يراها عند الركوع من تحت إبطه (١٠).
(وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥))
(وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) أي هو يجمعهم يوم القيامة على ما علم منهم فيجازي كلا بعمله (إِنَّهُ حَكِيمٌ) حيث حكم بحشر الأولين والآخرين للجزاء والحساب (عَلِيمٌ) [٢٥] أي واسع العلم حيث يعلم حصرهم مع إفراط كثرتهم وحصر جميع أعمالهم مع تباعد أطراف أعدادها ، قال النبي عليهالسلام : «من مات على شيء بعث الله عليه» (١١).
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١٧.
(٢) «الرياح» : قرأ حمزة باسكان الياء وحذف الألف بعدها علي التوحيد ، والباقون بفتح الياء وإثبات الألف بعدها علي الجمع. البدور الزاهرة ، ١٧٥.
(٣) عن أبي بكر بن عياش ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٨.
(٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٥) انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٦) أي شرا ، س م : ـ ب.
(٧) يونس (١٠) ، ٢٢.
(٨) بارسالها ، ب س : بارسالنا ، م.
(٩) يستحيي ، م : سيحيي ، ب س.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١٧ ؛ والواحدي ، ٢٣٢.
(١١) رواه أحمد بن حنبل ، ٣ / ٣١٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٠٠.