(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦))
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي آدم (مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين مصوت من صل إذا صوت من اليبس عن نقره ، وقيل : «الصلصال هو الطين الذي إذا نضب عنه الماء تشقق وإذا حر تقعقع» (١) ، وقيل : «هو الطين المنتن» (٢) ، من صل اللحم إذا أنتن وفسد ، قوله (مِنْ حَمَإٍ) محله جر صفة (صَلْصالٍ) ، جمع حمأة وهو الطين الأسود (مَسْنُونٍ) [٢٦] أي متغير الرائحة أو ما أتته السنون أو مصور أو مصبوب مفرغ من سننت الماء إذا صببته ، يعني مفرغ من الطين الإنسان كما يفرغ النحاس من الجواهر في صورة إناء وغيره ، روي : أن الله تعالى خمر طينة آدم وتركه حتى صار متغيرا أسود ثم خلق منه آدم عليهالسلام (٣).
(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧))
(وَالْجَانَّ) وهو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ، وقيل : هو إبليس أبو الشياطين (٤)(خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي قبل آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) [٢٧] وهي ريح حارة فيها نار تدخل مسام الإنسان فتقتله ، وقيل : هي نار بين السماء والحجاب ، فاذا أحدث الله أمرا أخرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت والصوت الذي تسمعون خرق ذلك الحجاب ، والصاعقة منها (٥) ، قيل : الجن فيهم مسلمون وكافرون ويحيون ويموتون ويتوالدون ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين وأما الشياطين فليس فيهم مسلمون ويموتون إذا مات إبليس (٦) ، وروي : «أن إبليس من حي من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وخلق الجن الذين ذكروا في القرآن (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ)(٧) ، «وأما الملائكة فهم خلقوا من النور» (٨) ، وقيل من نفس إسرافيل (٩).
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩))
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) أي اذكر وقت قول ربك (لِلْمَلائِكَةِ) أي ملائكة الأرض الذين هم مع إبليس سكان الأرض (إِنِّي خالِقٌ) أي سأخلق (بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [٢٨] فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي أتممت خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أي أحييته وليس ثمه نفخ ، لأنه محال على الله ، بل هو تمثيل لإلقاء حيوة في شيء ليحيى ، والروح جسم لطيف يحيى به الإنسان ، وأضافه إلى نفسه تشريفا لآدم (فَقَعُوا) أمر ، من الوقوع ، أي فخروا (لَهُ) أي لآدم (ساجِدِينَ) [٢٩] سجدة تحية لا سجدة عبادة وهي لله تعالى.
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١))
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) الذين أمروا بالسجود (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [٣٠] ذكر كلاهما تأكيدا ، لأن من المحتمل أنه سجد بعضهم فذكر كلهم ، ومن المحتمل أنهم سجدوا متفرقين في أوقات مختلفة فدفع ذلك بذكر (أَجْمَعُونَ) ، قيل : «إن الله قال لجماعة من الملائكة لم يكن إبليس معهم اسجدوا لآدم ، فلم يفعلوا فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم قال لجماعة أخرى فيهم إبليس : اسجدوا لآدم» (١٠) ، فسجد الملائكة (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) أي امتنع عن (أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [٣١] تعظيما واستكبارا عن السجود لآدم مع الملائكة.
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢))
(قالَ) الله تعالى (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ) أي أي داع لك إلى (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [٣٢] أي مع الملائكة في
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٠.
(٢) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٠.
(٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٠.
(٤) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤٠٠.
(٥) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤٠١.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٠.
(٧) الرحمن (٥٣٠) ، ١٥.
(٨) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠١.
(٩) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(١٠) عن عكرمة وابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٢.