أتهلكونهم وفيهم لوط؟ قالوا (إِلَّا آلَ لُوطٍ) استثناء متصل ، أي إنهم مخرجون من حكم الإرسال وهم أتباعه وأهل دينه أو منقطع بمعنى لكن ، والخبر قوله (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) [٥٩] بالتخفيف والتشديد (١) ، أي لكن آل لوط منجون ، وعلى الأول استئناف ، كأن إبراهيم قال لهم : فما حال آل لوط؟ فقالوا : إنا لمنجوهم.
(إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))
قوله (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من ضمير (لَمُنَجُّوهُمْ) فيتعلق به ، أي سوى امرأة لوط (قَدَّرْنا) بالتخفيف والتشديد (٢) ، وأسندوا التقدير إلى أنفسهم وهو لله تعالى لاختصاصهم به وقربهم منه ، أي قضينا (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) [٦٠] أي الباقين في العذاب الذين لم يستثنوا منه ، والاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ، فاستثنى امرأة لوط من الناجين المستثنين من الهلاك فكانت ملحقة بالهالكين.
(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣))
(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) [٦١] أي الملائكة (قالَ) لوط (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [٦٢] أي لم نقركم وننفر منكم لعلكم جئتمونا بشر (قالُوا) ما جئناك بما تنكرنا لأجله (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) [٦٣] أي بشيء يشك قومك أنه نازل بهم عند إخبارك إياهم بنزول العذاب عليهم ، وفيه سرورك وتشفيك من عدوك.
(وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤))
(وَأَتَيْناكَ) أي جئناك (بِالْحَقِّ) أي باليقين من عذابهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [٦٤] في قولنا إن العذاب نازل بهم.
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥))
(فَأَسْرِ) بقطع الهمزة وبالوصل (٣) ، من أسرى وسرى ، أي سر (بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي اذهب بهم في آخر الليل ، ثم أمرهم باتباع أدبارهم مع نهيهم عن الالتفات لئلا يشتغل قلبه بمن خلفه ، ويكون مطلعا عليهم ويحفظهم عما يصيب أعداءهم في تلك الحال الهولة المحذورة بقوله (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي سر خلفهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي لا يتخلف أحد من أهلك لغرض له فيصيب العذاب إذا نزل بقومهم (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [٦٥] عدي (امْضُوا) إلى (حَيْثُ) كتعديته إلى الظرف المبهم ، لأن (حَيْثُ) مبهم في الأمكنة ، قيل : إنهم أمروا إلى الشام (٤) مدينة زعر (٥) ، وقيل : إلى الأردن (٦) ، وقيل : إلى مصر (٧).
(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦))
ثم قال الله تعالى (وَقَضَيْنا) أي أخبرنا أو حكمنا بالوحي (إِلَيْهِ) أي إلى لوط (ذلِكَ الْأَمْرَ) أي الأمر الذي أمرنا في قوم لوط ، ثم فسر ذلك الأمر بعد الإبهام تفخيما له بقوله (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ) أي آخرهم (٨)(مَقْطُوعٌ) أي مستأصل حتى لا يبقى منهم أحد (مُصْبِحِينَ) [٦٦] أي داخلين في الصباح.
(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧))
(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي سدوم ، وهي قرية قوم لوط بالدال غير (٩) المعجمة (يَسْتَبْشِرُونَ) [٦٧] أي يبشر بعضهم
__________________
(١) «لمنجوهم» : قرأ الأخوان وخلف ويعقوب بالتخفيف ، والباقون بالتشديد. البدور الزاهرة ، ١٧٦.
(٢) «قدرنا» : خفف الدال شعبة وشددها سواه. البدور الزاهرة ، ١٧٦.
(٣) «فأسر» : قرأ المدنيان والمكي بهمزة وصل فتسقط في الدرج وحينئذ يصير النطق بالسين الساكنة بعد الفاء ، والباقون بهمزة قطع مفتوحة. البدور الزاهرة ، ١٧٧.
(٤) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٧.
(٥) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٢٢.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٧.
(٧) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ١٣٥.
(٨) أي آخرهم ، ب م : ـ س.
(٩) غير ، ب س : الغير ، م.