وَالْأَعْنابَ) أي الكروم (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي ومن ألوانها ، (مِنْ) فيه تبعيض ، لأن كل الثمرات لا تكون إلا (١) في الجنة وإنما أنبت (٢) في الأرض بعض من كلها للتذكرة (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في نزول الماء من السماء وخروج النبات من الأرض بسببه (لَآيَةً) أي لعبرة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [١١] فيستدلون بها على قدرته وحكمته.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢))
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي ذللهما لمعاشكم واستراحتكم (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ) بنصب الثلثة ، أي وذلل الكل لكم لتعلموا عدد السنين والحساب بالشمس والقمر وتهتدوا في طرقهم بالنجوم ، وبنصب (مُسَخَّراتٌ) أي ونفعكم بها حال كونها مذللات لما خلقن له (بِأَمْرِهِ) أي باذنه وبرفع الكل على الابتداء والخبر وبرفع (النُّجُومُ) و (مُسَخَّراتٌ) كذكل دون غيرهما (٣)(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في تسخير المذكورات (لَآياتٍ) أي لدلالات واضحات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [١٢] أي يفهمون بذهن الإنسانية.
(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣))
(وَما ذَرَأَ لَكُمْ) أي وسخر لكم ما خلق لأجلكم (فِي الْأَرْضِ) من الدواب والأشجار والثمار وغيرها (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) نصب على الحال من (ما ذَرَأَ) المفعول (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في اختلاف ألوانه (لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [١٣] أي يتعظون فيؤمنون.
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤))
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) أي ذلل لكم البحر العذب والملح (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) أي سمكا غضا ، وإطلاق اللحم عليه على خلاف العادة ، لأن من حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لم يحنث ، لأن مبنى الإيمان على العادة (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ) أي من البحر (٤) الملح (حِلْيَةً) أي اللؤلؤ والمرجان (تَلْبَسُونَها) أي تتزينون بها ، والمراد تزين النساء بها لأجل الرجال فكأنها زينتهم ، وفيه دليل على أن اللؤلؤ والمرجان من الحلي (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ) أي جواري (فِيهِ) أي في البحر مقبلة ومدبرة بريح واحدة ، والمخر (٥) الشق لأنها إذا جرت تشق الماء بصدرها ، وفي الحديث : «إذا أراد أحدكم البول فليمتخر الريح» (٦) ، أي فليستدبرها حتى لا ترد عليه البول ، قوله (وَلِتَبْتَغُوا) عطف على مقدر ، أي لتركبوها ولتطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه بالتجارة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [١٤] أي لكي تشكروا إذا رأيتم صنع الله فيما سخر لكم.
(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦))
(وَأَلْقى) أي وضع لله (فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت (أَنْ تَمِيدَ) أي لئلا تميل بحذف «لا» وإرادة ثبوتها أو كراهة أن تميل (بِكُمْ) من ماد إذا مال واضطرب ، قيل : «لما خلق الله الأرض جعلت تميل ، فقالت الملائكة : إن هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فأصبحوا وقد أرسيت الجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت
__________________
(١) لا تكون إلا ، س : ـ ب م.
(٢) وإنما أنبت ، ب س : وإنما أنبتت ، م.
(٣) «والشمس والقمر والنجوم مسخرات» : قرأ ابن عامر برفع آخر الأسماء الأربعة وحفص بنصب «والشمس والقمر» وبرفع «والنجوم مسخرات» ، والباقون بنصب «آخر» الأربعة ولا يخفى أن نصب «مسخرات» يكون بالكسرة لكونه جمعا بألف وتاء. البدور الزاهرة ، ١٧٨.
(٤) البحر ، ب س : ـ م.
(٥) والمخر ، ب س : المجر ، م.
(٦) انظر البغوي ، ٣ / ٤٢١. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.