الجبال» (١)(وَأَنْهاراً وَسُبُلاً) أي وجعل في الأرض لكم أنهارا وطرقا مختلفة (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [١٥] أي تصلون إلى ما تريدون (وَعَلاماتٍ) أي وجعل في الأرض معالم للطريق من الجبال والأشجار والمياه لتهتدوا وتعرفوا بها طرقكم في حال السفر (٢)(وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [١٦] فيه أورد بضمير الغيبة بعد الخطاب مع تقديم «النجم» على (هُمْ) للاختصار ، وأراد به قريشا كأن لهم اهتداء بالنجوم في أسفارهم ، يعني أن لهم بذلك علما لم يكن مثله لغيرهم فكأن الشكر أوجب عليهم ، فلذلك خصصوا (٣) بالذكر في الاهتداء بالنجم ، والمراد ب «النجم» الجنس لا العهد كما قيل من أن المراد به الثريا والجدي وبنات نعش والفرقدان لما فيه من التحكم (٤).
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧))
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ) أي أأنتم تشركون الله غيره في العبادة والاحترام (٥) ، فمن يخلق ، أي الله القادر (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) أي الأصنام العجزة ، و «من» للعقلاء ، لأن آلهتهم أجريت مجرى العقلاء لتسميتهم آلهة ، قيل (٦) : أصل النظم أن يقال : أفمن لا يخلق كمن يخلق؟ لأنهم سموا الأصنام آلهة تشبيها بالله ، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق كالحجارة ، أجيب بأنهم لما سووا بينه وبينها في العبادة ، فكأنهم جعلوا الله جنس المخلوقات ، فأنكر عليهم ذلك بقوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ)(٧) ، أي لا يشبه القادر بغير القادر (٨)(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [١٧] أي أفلا تتعظون في صنعه ، فتعلموا أنه واحد لا شريك له فتؤمنوا به وتعبدوه ولا تشركوا به شيئا منها.
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨))
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) أي لا تضبطوا عددها فكيف تطيقون القيام بشكرها (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) لتقصيركم في شكر نعمه (رَحِيمٌ) [١٨] بكم حيث وسع عليكم النعم ولم يقطعها عنكم بالتقصير والمعاصي.
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩))
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) أي ما تضمرون في قلوبكم (وَما تُعْلِنُونَ) [١٩] أي وما تجهرون بالقول.
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠))
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) بالتاء والياء (٩) ، أي يعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) أي الأصنام (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [٢٠] لأنهم ينحتون من الأحجار وغيرها.
(أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١))
قوله (أَمْواتٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم ميتون لا روح فيهم ، يعني الأصنام ولم يقل مواتا ، لأنهم صوروا على شكل ذي الروح (غَيْرُ أَحْياءٍ) صفة (أَمْواتٌ) للتأكيد ، يعني ليسوا من الأموات التي يخلقون أو يعقلون شيئا كالنطق بل هي جمادات لا يعقب موتها حيوة كالحجارة (وَما يَشْعُرُونَ) أي لا يعلم الأصنام التي سميتموها آلهة (أَيَّانَ) أي في أي وقت (يُبْعَثُونَ) [٢١] إحياء ، وهذا تهكم بحالهم ، لأن شعور الجماد محال ، قيل : دل القرآن على أن الأصنام تبعث وتجعل فيها الحيوة فتتبرأ من عابديها (١٠) ، وقيل معناه : ما يدري الكفار عبدة الأصنام متي تبعثون؟ (١١) وقيل : ما يدري آلهتهم متي يبعث عابدوهم؟ وفيه تهكم للمشركين ، لأن من
__________________
(١) عن وهب ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٢١.
(٢) قوله ، + م.
(٣) خصصوا ، ب س : خصص ، م.
(٤) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٢١.
(٥) والاحترام ، ب : ـ س م.
(٦) قيل ، ب : ـ س م.
(٧) أصل النظم أن يقال ... أفمن لا يخلق كمن لا يخلق ، ب س : ـ م.
(٨) أي لا يشبه القادر بغير القادر ، ب : يعني أن القادر لا يشبه غير القادر ، س ، ـ م.
(٩) «يدعون» : قرأ يعقوب بالياء التحتية ، والباقون بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ١٧٨.
(١٠) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٢٢.
(١١) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤٢٢.