كان إلها ينبغي أن يعلم وقت بعث عابديه للجزاء ، لأنه من لوازم التكليف (١).
(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢))
ثم أشار إلى نفي ألوهية الأصنام ، وأعلمهم أن الإله الحقيقي من هو؟ فقال (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي رب واحد لا شريك له ، فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ، لأنه يجازيكم في الآخرة (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) أي جاحدة للوحدانية أو خبيثة لا يدخل في المعرفة (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [٢٢] أي مستعظمون عن الإيمان.
(لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣))
(لا جَرَمَ) أي حقا أو لا بد (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) وهو وعيد لهم من المكر والتكذيب في أمر محمد عليهالسلام (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) [٢٣] أي المتعظمين عن الإيمان ، ويجوز أن يكون عاما في كل مستكبر ، قال عليهالسلام : «لا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» (٢) ، وهو أدنى شيء من يقين حمله على ذكر الله تعالى يوما عمن كان له (٣) إخلاص أو زجره عن محظور مخافة الله.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أي لمشركي مكة الذين اقتسموا عقابها ، أي مداخل مكة إذا سألهم الحجاج من المسلمين (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) أي أي شيء أنزله الله على محمد عليهالسلام ، ف (ما ذا) منصوب ب (أَنْزَلَ) ، ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء بمعنى أن شيء أنزله ربكم بتقدير الضمير (قالُوا) أي كفار مكة سخرية في جوابهم المنزل (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [٢٤] أي أحاديثهم الباطلة إضلالا للناس وصدا (٤) عن رسول الله فحملوا أوزار ضلالهم على الكمال.
(لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥))
فقوله (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) علة لقولهم من غير أن يكون عرضا ، أي قالوا ذلك ليحملوا ذنوب أنفسهم تامة يوم الجزاء ، وإنما ذكر الكمال ، لأن أعمالهم الحسنة في الدنيا والبلايا التي تلحقهم (٥) فيها لا تكفر عنهم شيئا كما تكفر الحسنات من المؤمنين أوزارهم من الصلوة إلى الصلوة ومن رمضان إلى رمضان ومن الحج إلى الحج ، وتكفر بالشدائد والمصائب أيضا في الدنيا ، قوله (وَمِنْ أَوْزارِ) عطف على (أَوْزارَهُمْ) ، أي وليحملوا من ذنوب (الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) عن الهدي (بِغَيْرِ عِلْمٍ) نصب على الحال من مفعول (يُضِلُّونَهُمْ) ، أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال بغير حجة وإنما حملوا أوزار من اتبعوهم ، لأنهم دعوهم إلى الضلالة فاتبعوهم بغير عذر فاشتركا في إثم الضلالة ، فحملوا جميع آثامهم وبعض آثام متبعيهم دون البعض ، لأن المضل والضال شريكان ، هذا أضله وهذا أطاعه على إضلاله فيتحاملان الوزر ، ف (مِنْ) للتبعيض ، ويجوز أن يكون زائدة على مذهب الأخفش فيحملون الكل منهم ، والمراد مثل أوزارهم ، قال عليهالسلام : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» (٦)(أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) [٢٥] أي تنبهوا بئس ما يحملون من الذنوب التي لا تغفر.
__________________
(١) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ١٤٥.
(٢) روى مسلم نحوه ، الإيمان ، ١٤٧ ـ ١٤٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٢٣.
(٣) من كان له ، م : ـ ب س.
(٤) وصدا ، ب م : وصدوا ، س.
(٥) تلحقهم ، ب م : يلحقهم ، س.
(٦) أخرجه الترمذي ، العلم ، ١٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٢٣.