قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر» (١) ، وأراد من يتدبره ويعمل به ، قيل : «أرذل العمر تسعون سنة» (٢) ، وقيل : ثمانون (٣) ، وقيل : «خمسة وسبعون» (٤)(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) لا يزول علمه عن ذاته أبدا (قَدِيرٌ) [٧٠] يقدر على إزالة علم كل عالم وإبقائه فيه ، قال أنس بن مالك : كان رسول الله عليهالسلام يدعو : «أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات» (٥).
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١))
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) أي وسع الرزق على البعض وضيق على البعض من الناس بأن كثره وقلله أو فضل الموالي على العبيد في المال والرزق ، يعني جعل رزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم ليظهر التفاوت بينكم وبينهم (فَمَا) أي فليس (الَّذِينَ فُضِّلُوا) وهم الموالي (بِرَادِّي) فضل (رِزْقِهِمْ) الذي أعطاهم الله وزاد عن حاجاتهم (عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي على عبيدهم (فَهُمْ فِيهِ) أي فان المولى والعبيد في الرزق (سَواءٌ) لا يكون تفاوت بينهم في الرزق بحسب أصل الخلقة ، لأنهم مثلهم في البشرية وإخوانهم ، فكان ينبغي أن يردوا فضل رزقهم عليهم حتى يتساووا (٦) في المطعم والملبس بناء على ما روي عن رسول الله عليهالسلام : «إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تكسون وأطعموهم مما تطعمون» (٧) ، لكن الحكمة الإلهية التي هي ظهور التفاوت بينهم لأجل الخدمة المحتاج إليها منعته أو المعنى : أنهم لا يرضون أن يكونوا مع مماليكهم فيما رزقهم الله سواء برد الفضل عليهم كراهة الشركة فيه ، وهم جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني ، فهذا مثل ضربه الله عزوجل إلزاما للحجة على كفار مكة حيث يشكرون بالله خلقه وعبيده الذين هو خالقهم ورازقهم ، ثم قال إنكارا عليهم (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ) التي هي هذا (٨) التفضيل (يَجْحَدُونَ) [٧١] بالتاء والياء (٩) ، أي تكفرون بالإشراك به فجعل جحود ذلك من جملة جحود النعمة ، وقيل معنى الآية : إني رازقهم جميعا فهم في رزقي سواء فلا تحسبن المولى أنهم يردون على مماليكهم رزقهم من عندهم ، فان ذلك رزقي الذي أرزقهم إياه من أيديهم (١٠).
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢))
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أي من جنسكم نساء ، وقيل : المراد حواء (١١) ، لأنها خلقت من قصيراء آدم عليهالسلام (١٢)(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي من نسائكم (بَنِينَ وَحَفَدَةً) أي أولاد الأولاد ، جمع حافد من الحفد وهو العون والقوة ، وقيل : «هم الأختان على البنات» (١٣) ، وقيل : «هم الأصهار» (١٤) ، فالمعني على هذا القول : والله جعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجوهن فيحصل بسببهن الأختان والأصهار ،
__________________
(١) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٢) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٣٧ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٥٥ ـ ١٥٦.
(٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٣٧.
(٤) عن علي كرم الله وجهه ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٣٧ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٥٥.
(٥) رواه مسلم ، الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، ٥٢ ؛ وأبو داود ، الصلوة ، ٣٦٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨.
(٦) يتساووا ، م : يتخذوا ، ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٥٦.
(٧) أخرج البخاري نحوه ، العتق ، ١٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٥٦.
(٨) هذا ، س م : ـ ب.
(٩) «يجحدون» : قرأ شعبة ورويس بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ١٨٠.
(١٠) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٥٦.
(١١) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤٣٨.
(١٢) وهذه الرواية من الإسرائليات ، لأنها موجودة في التورية ، انظر تكوين ، ٢ / ٢١ ـ ٢٣.
(١٣) عن ابن مسعود والنخعي ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٣٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٤٢ (عن ابن مسعود).
(١٤) عن ابن مسعود ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٣٨.