وقيل : الحافد هو المسرع في إطاعة الأمر وخدمته ومصالحه من الأقرباء والمماليك وغيرهم (١)(وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي الحلالات (أَفَبِالْباطِلِ) أي الأصنام التي لا منفعة لها ولا شفاعة (يُؤْمِنُونَ) أي يعبدون أو بالشيطان يصدقون حيث أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة (وَبِنِعْمَةِ اللهِ) أي بوحدانيته المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها الذي عقل وتمييز أو الإسلام أو القرآن أو بتحليله (هُمْ يَكْفُرُونَ) [٧٢] أي يجحدون.
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣))
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي الأصنام (ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ) أي إنزال المطر (وَالْأَرْضِ) أي النبات (٢)(شَيْئاً) بدل من «رزقا» أو مفعوله (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) [٧٣] أي لا يقدرون ذلك لعجزهم وهو تأكيد للأول.
(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤))
(فَلا تَضْرِبُوا) أي لا تصفوا (لِلَّهِ الْأَمْثالَ) في العبادة ، يعني لا تشبهوه بشيء من خلقه ، فان التشبيه به إشراك بالله (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) أن لا شبيه له (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [٧٤] ذلك فتقعدون في الكفر بضرب الأمثال له أو إنه يعلم كنه فعلكم وعظمه فيعاقبكم عليه وأنتم لا تعلمون كنهه ، فهو الذي جزاكم عليه.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥))
ثم ضرب مثلا للمؤمن والكافر فقال (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) أي شبها وأبدل منه (عَبْداً مَمْلُوكاً) وصفه به ليخرج منه الحر ، لأن الخلق كله عبيد الله (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) أي ليس له مال ينفع منه ويتصرف في سبيل الخير لعجزه عن التصرف ، قيده به ليخرج المكاتب ، لأن له يدا في التصرف وإن كان عبدا ، وكذلك المأذون له ، واختلفوا في العبد ، هل يصح له ملك ، والظاهر أنه لا يصح له خلافا لمالك (٣) ، قوله (وَمَنْ رَزَقْناهُ) عطف على (عَبْداً) وهي موصوفة نكرة لكون المعطوف عليه نكرة ، أي وحرا رزقناه (مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) أي مالا طيبا يقدر (٤) على التصرف فيه (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) في سبيل الله ورضاه ، فأثابه الله عليه في الجنة (٥)(هَلْ يَسْتَوُونَ) أي العبد والحر في الخير والطاعة ، ولم يقل يستويان لمكان (مَنْ) ، فانه يصلح للواحد والمثنى والجمع لا يستوي العبد الفقير والغني السخي في الإنفاق في سبل الخير ، كذلك لا يستوي الكافر العاصي والمؤمن المطيع عند الله ، ثم قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ) حامدا لنفسه ودالا لخلقه على حمده على ظهور الحق من الباطل (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٧٥] الحق من الباطل ، يعني قد ظهر أن الأمر ليس كما يقول المشركون ، إذ ليس للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتحمد عليه أنما الحمد الكامل لله عزوجل ، لأنه المنعم والخالق والرازق ، ولكن أكثر الكفار أو جميعهم لا يفقهون ذلك.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦))
ثم أوضح ذلك بضرب مثل آخر فقال (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) أي مثل رجلين ، فالمثل الثاني بدل من المثل الأول المفعول حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للعلم به ، ثم وصفهم رجلين بقوله (أَحَدُهُما أَبْكَمُ) أي أخرس لا يفهم ولا يفهم (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) من مال ولا منفعة (وَهُوَ كَلٌّ) أي ثقل وعيال (عَلى مَوْلاهُ) أي على من يلي أمره ويقوله (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) بجزم الهاء لوجود الجازم فيه ، أي حيثما يرسله في كفاية مهم وتحصيل حاجة (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) أي لا يجيء به ، لأنه لا يفهم ما يقال له ولا يفهم عنه ، ورجل آخر على خلاف ذلك ولم
__________________
(١) لعله اختصره من الكشاف ، ٣ / ١٥٦.
(٢) أي النبات ، س م : أي البنات ، ب.
(٣) خلافا لمالك ، س م : ـ ب.
(٤) يقدر ، س ب : ـ م.
(٥) في الجنة ، س : الجنة ، ب م.