يذكره ، لأنه اكتفى بذكر أحدهما وهو الأبكم كسرابيل تقيكم الحر ولم يقل (١) البرد وهذا مثل للأصنام (٢) ومن يعبدها فذكر رجلين تغليبا أو المراد المؤمن والكافر والأول أنسب ، لأن الصنم لا يسمع ولا يسمع ولا يعقل وهو كل على عابده يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويخدمه أو العبد ومولاه حقيقة كعبد عثمان ، فان عثمان يأمره بالتوحيد وهو يأتي بالكفر ويكره الإسلام ثم استفهم على سبيل الإنكار (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ) أي الأبكم أو الكافر (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) أي الله أو المؤمن ، يعني لا مساواة بين الأبكم والآمر بالخير ، وهو الله القادر المتكلم الآمر بالتوحيد أو المؤمن الذي يأمر به ويعمل العمل الصالح (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٧٦] أي على دين الإسلام ، قال عطاء : «الأبكم أبي بن خلف المنكر بالبعث ، ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان» (٣).
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧))
ثم قال للكفار الذين استعجلوا القيامة استهزاء (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي وله علم ما غاب عن العباد فيهما (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) أي قيام الساعة (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) أي إلا كرجعة في قرب كونها إذا قال له «كن فيكون» (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) أي بل هو أسرع ، المعنى : أن قيام الساعة والبعث في قدرة الله ومشيته أقرب من كل قريب (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٧٧] والبعث من مقدوراته فلا تنكروه.
(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨))
(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) بكسر الهمزة والميم وبضم الهمزة وفتح الميم ، وبكسر الهمزة مع فتح الميم (٤) ، أي خلقكم والحال أنكم (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) من الأشياء أو من حقوق المنعم الذي خلقكم في البطون وسواكم وصوركم ، ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) جمع فؤاد ، جمع قلة ، استعمل في موضع جمع الكثرة وهو وسط القلب لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [٧٨] أي لكي تشكروا رب هذه النعم.
(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩))
ثم بين طريقا يؤدي إلى معرفة وحدانيته بقوله (أَلَمْ يَرَوْا) بالتاء والياء (٥)(إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ) أي مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة (فِي جَوِّ السَّماءِ) أي في الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو (ما يُمْسِكُهُنَّ) نصب على الحال من (الطَّيْرِ) ، أي ما يأخذهن في الهواء عند قبض الأجنحة وبسطها (إِلَّا اللهُ) بقدرته (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في تسخيرهن وإمساكهن في الهواء (لَآياتٍ) لدلالات على وحدانيتي (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٧٩] به تعالى بنظر الاستدلال ، قيل : «إن الطير ترتفع اثني عشر ميلا في جو السماء ولا ترتفع فوق هذا» (٦).
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠))
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) أي مسكنا تسكنونه ، يعني وفقكم لبناء البيوت للسكنى والقرار
__________________
(١) ولم يقل ، س م : ولم نقل ، ب.
(٢) مثل للأصنام ، ب س : مثل الأصنام ، م.
(٣) انظر البغوي ، ٣ / ٤٤١.
(٤) «أمهاتكم» : قرأ حمزة بكسر الهمزة والميم والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم ، وهذا في حال وصل «بطون أمهاتكم» ، أما في حالة الابتداء ب «أمهاتكم» فيقرآن بضم الهمزة وفتح الميم ، والباقون بضم الهمزة وفتح الميم في الحالين. البدور الزاهرة ، ١٨١.
(٥) «ألم يروا» : قرأ حمزة ويعقوب وخلف والشامي بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ١٨١.
(٦) عن كعب الأحبار ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٤٢.