(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ) أي من شعرها (١) وصوفها ووبرها (بُيُوتاً) أي خياما أو القباب من الأدم والأنطاع (تَسْتَخِفُّونَها) أي يخف (٢) عليكم حملها (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) بفتح العين وسكونها (٣) ، أي وقت رحلتكم في سفركم (وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) في بلادكم لا تثقل عليكم في الحالين وجعل لكم (وَمِنْ أَصْوافِها) أي من أصواف الغنم (وَأَوْبارِها) أي أوبار الإبل (وَأَشْعارِها) أي أشعار المعز ، والضمائر راجعة إلى الأنعام ، قوله (أَثاثاً وَمَتاعاً) نصبه عطف على (سَكَناً) بتقدير «جعل» ، وهما بمعنى واحد ، وقيل : الأثاث متاع البيت (٤) ، والمتاع كل ما يتمتع به ، أي متاعا تنتفعونها من الفرش والأكسية (إِلى حِينٍ) [٨٠] أي إلى الموت أو إلى أن تبلي وتهلك.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١))
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) أي أشجارا تستظلون بها من شدة الحر أو المراد ظلال البيوت (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) أي أسرابا والغيران ، الواحد كن (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) أي قمصا (٥) من القطن والكتان والصوف (تَقِيكُمُ) أي تمنعكم (الْحَرَّ) والبرد من قبيل الاكتفاء بأحد الشيئين لدالالة الآخر عليه (وَسَرابِيلَ) أي دروعا من الحديد وغيره (تَقِيكُمُ) أي تمنعكم (بَأْسَكُمْ) أي أذاكم أو تدفع في حربكم أن يصيبكم السلاح ، وقيل : البأس العدو المحارب (٦)(كَذلِكَ) أي مثل ذلك الإتمام المذكور (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [٨١] أي تنقادون بذلك لرب هذه النعم وتخلصون له العبادة.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢))
ثم قال لنبيه عليهالسلام (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي إن أعرضوا عن الإسلام (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [٨٢] أي التبليغ الظاهر وتبيين الهدى ، يعني لا يلحقك في ذلك عتب إذا لم يكن في تبليغك تقصير.
(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣))
(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ) أي نبوة محمد عليهالسلام ، قيل : دين الإسلام (٧) أو «كل نعمة عدت في هذه السورة» (٨)(ثُمَّ يُنْكِرُونَها) يعني يعرفون أن خالق كلها هو الله ثم يجحدونها بعبادة غير منعمها أو يقرون إذا ذكر لهم هذه النعم أن كلها من الله لكنهم يقولون إنها بشفاعة آلهتنا أو يقولون كان هذا لآبائنا ثم ورثناهم بعدهم ، و (ثُمَّ) فيه للاستبعاد (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) [٨٣] أي الجاحدون بنعم الله أو بنوبة محمد عليهالسلام ، وقيل : ال «أكثر» هنا بمعنى الكل (٩).
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤))
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ) أي واذكر وقت بعثنا (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أي نبيا يشهد على أمته بالرسالة أنه بلغها فيمنعون من الكلام (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في الاعتذار أو في الكلام ، يعني لا حجة لهم ولا عذر ليتكلموا بهما ثمه (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [٨٤] أي لا يسترضون ، يعني لا يكلفون أن يرضوا ربهم بصالح عمل ، لأن الآخرة ليست بدار تكليف أو لا يرجعون إلى الدنيا فيتوبوا ، وحقيقة الاستعتاب التعرض لطلب الرضا وهو منسد على الكفار في الآخرة.
__________________
(١) أي من شعرها ، س : أي شعرها ، ب م.
(٢) يخف ، ب س : تخف ، م.
(٣) «ظعنكم» : أسكن العين الشامي والكوفيون ، وفتحها الباقون. البدور الزاهرة ، ١٨١.
(٤) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٤٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٤٢.
(٥) قمصا ، س م : قميصا ، ب.
(٦) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٤٤٢.
(٧) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤٤٣.
(٨) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٤٣.
(٩) لعل المفسر اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٤٥.