(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥))
(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي الكفار (الْعَذابَ) بغتة لحقهم وثقل عليهم (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) أي لا يسهل العذاب عنهم حين عاينوه (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [٨٥] أي يمهلون ساعة ليستريحوا.
(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦))
(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله (شُرَكاءَهُمْ) أي آلهتهم التي دعوها شركاء أو الشياطين (١) ، لأنهم شركاؤهم في الكفر (قالُوا) معترفين (رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا) أي نعبد (مِنْ دُونِكَ) وهم أمرونا بذلك (فَأَلْقَوْا) أي الأوثان أو الشيطان (إِلَيْهِمُ) أي إلى عابديهم (الْقَوْلَ) أي يقولون لهم (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) [٨٦] في تسميتنا آلهة وفي أمرنا بعبادتكم إيانا.
(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧))
(وَأَلْقَوْا) أي المشركون (إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي الانقياد ، يعني استسلموا وانقادوا وخضعوا بعد الإباء والاستكبار في الدنيا لأمر الله وحكمه فيهم يوم القيامة لجلال الله وكبريائه (وَضَلَّ) أي غاب وفات (٢)(عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٨٧] أي يكذبون أن آلهتهم تشفع لهم ، يعني لم تغن عنهم آلهتهم شيئا من العذاب.
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨))
ثم بين تزايد عذاب من ضل وأضل بقوله (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالتوحيد (وَصَدُّوا) أي منعوا الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن توحيده وطريق الحق (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) المعد لهم من النار وهو عقارب كالبغال لها أنياب أمثال النخل الطوال وحيات أمثال البخت تلسع صاحبها فيحم أربعين خريفا ، وقيل : يسلط عليهم الجوع والجرب (٣)(بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) [٨٨] في الدنيا بكفرهم وصدهم الناس عن الإيمان.
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩))
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أي رسولا يشهد (عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي من البشر ، لأن الأنبياء كانت تبعث إلى الأمم منها (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) أي على أمتك التي بعثت إليها (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي القرآن (تِبْياناً) أي بيانا بليغا (لِكُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه من الأمر والنهي والحلال والحرام والحدود والأحكام والقصص والأمثال ، بعضه مفسر وبعضه مجمل ، فأنت تفصله لهم ما دمت حيا ، ثم من بعدك من المجتهدين المستنبطين من الكتاب بواسطة الأدلة الشرعية المستفادة منه كالسنة والإجماع والقياس بالاجتهاد الصحيح ، فلذلك كان تبيانا لكل شيء (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) من العذاب لمن آمن به وعمل بما فيه (وَبُشْرى) بالجنة (لِلْمُسْلِمِينَ) [٨٩] أي المنقادين بالإخلاص.
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠))
قوله (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) أي بالتوحيد والإنصاف (وَالْإِحْسانِ) أو بأداء الفرائض أو الإخلاص في التوحيد ، وذلك معنى قوله عليهالسلام : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» (٤) أو العفو عن الناس وإيصال
__________________
(١) أو الشيطان ، ب س : ـ م.
(٢) أي غاب وفات ، ب س : ـ م.
(٣) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٢٤٦.
(٤) رواه البخاري ، الإيمان ، ٣٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٤٥.