بالوفاء بالعهد والنهي عن النقض (وَلَيُبَيِّنَنَّ) الله (لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [٩٢] في الدنيا بنقض العهد وغيره ويجازيكم به.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣))
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي على ملة الإسلام بطريق الإلجاء ، لأنه قادر عليه (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) بحكمته المقتضية إضلاله ، يعني بخذلانه إياهم عدلا منه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه وتوفيقه إياهم فضلا منه لمن علم أنه يختار الإيمان ، فبني الأمر على الاختيار المرتب عليه الثواب والعقاب لا على الإجبار الذي لا يستحق به شيء ، وحققه بقوله (١)(وَلَتُسْئَلُنَ) عن ما (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٩٣] من الوفاء بالعهود ونقضه يوم القيامة.
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤))
ثم قال تأكيدا للنهي عن نقض العهود وإظهارا لعظم ما يرتكبون منه (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً)(٢) أي فسادا وخديعة (بَيْنَكُمْ) فتغرون بها الناس فيسكنون إلى أيمانكم ويأمنون ثم تنقضونها (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) أي قدمكم (بَعْدَ ثُبُوتِها) أي بعد الاستقامة ، وإفراد القدم وتنكيرها ليدل على استعظام زلة قدم واحدة عن طريق الحق (٣) ، فكيف بأقدام كثيرة ، ونصب الفعل جواب النهي (٤) ، يقال فلان زلت قدمه إذا وقعت في ورطة بعد سلامة (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) أي وتتجرعوا العذاب في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ) أي صرفتم غيركم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي دينه الإسلام ، لأنكم إذا سهلتم طريق نقض العهد على الناس اتخذوها سنة يستنون بها لغيرهم (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [٩٤] أي شديد في الآخرة.
(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥))
قوله (وَلا تَشْتَرُوا) أي ولا تختاروا (بِعَهْدِ اللهِ) أي بنقض عهده (ثَمَناً قَلِيلاً) أي يسيرا ، يعني لا تنقضوا عهودكم تطلبون بنقضها عرضا يسيرا من الدنيا ولكن أوفوا بها (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) أي إن الذي عنده من الثواب لكم على الوفاء (هُوَ خَيْرٌ) أي أنفع (لَكُمْ) في الآخرة مما أخذتم من اليسير على النقض في الدنيا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [٩٥] فضل ما بين العوضين ، نزل في رجل من حضرموت اسمه عبدان بن الأسوع جاء إلى رسول الله عليهالسلام وادعى أن امرأ القيس غصب أرضي بالمجاورة ولم يكن له شهود ، فأمر رسول الله عليهالسلام امرأ القيس أن يحلف ، فلما قام ليحلف أخره رسول الله عليهالسلام ، وقال له : انظر ، فانصرف من عنده فجاء جبرائيل بالآية فأقر بالحق لصاحبه (٥).
(ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))
ثم بين الله تعالى فضل ما عنده من الثواب بقوله (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) أي الذي عندكم من حطام الدنيا يفني (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب في الجنة (باقٍ) أي دائم لأهله فيها (وَلَنَجْزِيَنَّ) بالياء والنون (٦) ، أي لنثيبن (الَّذِينَ صَبَرُوا) عن اليمين وأقروا بالحق لمستحقه أو على أذى المشركين ومشاق الإسلام (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٩٦] أي بأفضل أعمالهم ويبقى (٧) سائر الأعمال فضلا ، فلما سمع امرأ القيس الآية قال : إن صاحبي
__________________
(١) بقوله ، س م : بقول ، ب.
(٢) بينكم ، + س.
(٣) الحق ، س م : ـ ب.
(٤) النهي ، س م : ـ ب.
(٥) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٤٩.
(٦) «ولنجزين» : قرأ ابن كثير وعاصم وأبو جعفر بالنون ولابن ذكوان وجهان صحيحان النون والياء ، والباقون بالياء ، واتفق القراء علي قراءة «ولنجزينهم» بالنون. البدور الزاهرة ، ١٨٢.
(٧) ويبقى ، ب م : وتبقى ، س.