صادق فيما قال لقد قطعت أرضه ولكني ما أدري كم هي؟ ولكنه يأخذ ما يشاء من أرضي ومثلها معها بما أكلت من ثمارها ، فقال رسول الله عليهالسلام : «من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه ، فآثروا ما يبقى على ما يفني» (١).
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨))
ونزل (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) وإنما فصله مع عمومه لكون «من» متناولا للذكور في الظاهر دون الحقيقة ، فبينه ليعم الثواب الموعود النوعين جميعا ، أي كل شخص يعمل عملا صالحا من الفريقين كالصلوة وقراءة القرآن (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الواو للحال إيماء به إلى أن العمل الصالح لا يقبل بدون الإيمان (فَلَنُحْيِيَنَّهُ) في الدنيا (حَياةً طَيِّبَةً) أي «رزقا حلالا» (٢) ، قاله ابن عباس أو «قناعة» (٣) ، قاله الحسن ، وقيل : «استقامة في طاعة الله» (٤) ، وقيل : رزق يوم بيوم من حيث لا يحتسب (٥) ، وقيل : التوفيق في القلب مع حلاوة العبادة (٦) ، وقيل : الحيوة الطيبة في الآخرة الجنة ، إذ لا تطيب الحيوة لأحد إلا في الجنة (٧)(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ) أي ثواب أعمالهم (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٩٧] ولما كان من جملة الأعمال الصالحة التي يجزي الله على أحسنها الثواب في الجنة جودة القراءة (٨) في الصلوة التي هي وجه دين الله ورئيسه ، أورد عقيب العمل الصالح قوله (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) أي إذا أردت قراءته في الصلوة أو في غيرها وإنما عبر بلفظ الفعل عن إرادته لملابسة ظاهرة بينهما وهي وجوده عندها من غير فاصل (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي التجئ به وتعوذ (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [٩٨] أي المرجوم أو المطرود.
والاستعاذة سنة عند قراءة القرآن ، والأكثر على أنها قبل القراءة خلافا لمالك عملا بالظاهر ، وهي أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال ابن مسعود : «قرأت على رسول الله ، فقلت ابتدأ أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال عليهالسلام : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا أقرأنيه جبرائيل عن القلم عن اللوح المحفوظ» (٩) ، ومعنى الاستعاذة الاستعظام بالله من السوء.
(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩))
(إِنَّهُ) أي إن الشيطان (لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) أي تسلط وحجة (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي وحدوا الله ، يعني لا يقبلون منه ولا يطيعونه فيما يريده من اتباعهم إياه (١٠)(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [٩٩] أي يعتمدون في أمورهم دون غيره ، يعني ليس له ولاية على أن يحملهم على ذنب لا يغفر.
(إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠))
(إِنَّما سُلْطانُهُ) أي ولايته (عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) أي يطيعون ويدخلون في ولايته (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ) أي بالله (مُشْرِكُونَ) [١٠٠] الباء للسببية والضمير ل «الشيطان».
__________________
(١) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٤ / ٤١٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٤٧.
(٢) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٤٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٤٨ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٦٢ ؛ والقرطبي ، ١٠ / ١٧٤. وطاعة الله ، + م.
(٣) انظر البغوي ، ٣ / ٤٤٨ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٦٢ ؛ والقرطبي ، ١٠ / ١٧٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٤٩ (عن علي).
(٤) وقال مقاتل بن حيان نحوه. قاله ابن عباس أو قناعة قاله الحسن وقيل استقامة في طاعة الله ، ب س : ـ م.
(٥) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها. من حيث لا يحتسب ، س : ـ ب م.
(٦) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٦٢.
(٧) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٤٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٤٨.
(٨) القراءة ، ب م : القرآن ، س.
(٩) انظر الكشاف ، ٣ / ١٦٢.
(١٠) يعني لا يقبلون منه ولا يطيعونه فيما يريده من اتباعهم إياه ، ب م : ـ س.