(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١))
(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) أي إذا نسخنا حكم آية فأنزلنا مكانه حكما آخر بانزال آية (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) أي والحال أنه أعلم بما هو أصلح لخلقه فيما يبدل من أحكامه على حسب اختلاف الأزمان بنسخ الشرائع بالشرائع لحكمة فيه (قالُوا) أي كفار قريش (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) أي مختلق يا محمد ، وذلك أنهم قالوا يسخر محمد أصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا ، ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه ، فأكذبهم الله تعالى بقوله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [١٠١] حقيقة القرآن وعلم الناسخ والمنسوخ ، فان الشرائع مصالح للناس ، فجاز أن يكون مصلحة الأمس مفسدة اليوم وخلافها مصلحة له ، والله عالم بهما فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بحكمته المقتضية إياه.
(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢))
(قُلْ) يا محمد (نَزَّلَهُ) أي القرآن (رُوحُ الْقُدُسِ) أي جبرائيل (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) أي بالوحي أو بالصدق والنسخ أيضا من قبيل الحق وهو في محل النصب على الحال ، أي نزله ملتبسا بالحكمة (لِيُثَبِّتَ) أي ليحفظ قلوب (الَّذِينَ آمَنُوا) بالناسخ وعلموا صدقه عن الاضطراب ويزدادوا إيمانا ويقينا (وَهُدىً) من الضلالة (وَبُشْرى) بالجنة (لِلْمُسْلِمِينَ) [١٠٢] وهما في محل النصب مفعول لهما معطوفان على محل (لِيُثَبِّتَ) ، تقديره : تثبيتا لهم وهداية وبشارة ، وفيه تعريض لحصول أضدادها لغير المسلمين ، فالله تعالى حكيم لا يفعل شيئا إلا لحكمة.
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣))
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ) كفار مكة (يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) أي ما يعلم محمدا القرآن إلا آدمي وهو جبر ويسار وكانا غلامين نصرانيين من أهل اليمن في مكة ، يصنعان السيوف فيها ويقرآن التورية والإنجيل ، فربما مر بهما النبي عليهالسلام وهما يقرآن فيقف ويستمع ، فقال المشركون إنما يتعلم محمد منهما ، فقال تعالى في جوابهم تكذيبا لهم بالاستئناف (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ) بضم الياء وكسر الحاء معلوما من ألحد ومن لحد ، وبفتح الياء والحاء (١) ، أي لسان الرجل (٢) الذي يميلون ألسنتهم بزعم أنه يعلمه (إِلَيْهِ) لسان (أَعْجَمِيٌّ) وهو الذي لا يفصح وإن كان عربيا ، والعجمي هو المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحا (وَهذا) أي القرآن (لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [١٠٣] أي مفصح ، واللسان اللغة هنا.
روي : أن الرجل الذي كانوا يلحدون إليه أسلم وحسن إسلامه وهو يسار ، ثم أسلم جبر بعده وهاجر مع سيده (٣).
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤))
ثم قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي القرآن (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) في الدنيا ، أي لا يرشدهم لقلة رغبتهم في الإيمان (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [١٠٤] في الآخرة.
__________________
(١) «يلحدون» : قرأ حمزة والكسائي وخلف بفتح الياء والحاء ، والباقون بضم الياء وكسر الحاء. البدور الزاهرة ، ١٨٢.
(٢) لسان الرجل ، ب س : ـ م.
(٣) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٢٥١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٥٢.