(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩))

(لا جَرَمَ) أي حقا (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) [١٠٩] أي المغبونون.

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠))

وفي قوله (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا)(١) دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك ، وهم عمار وأصحابه ، واللام فيه للاختصاص (٢) ، أي هو ناصر لهم لا عدو لهم كما كان عدوا لهؤلاء الكفار لهجرتهم (٣)(مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) مجهولا ، أي عذبوا ومنعوا من الإسلام ، يعني عذبهم أهل مكة بالإكراه على الكفر ، وقرئ معلوما (٤) ، أي فتنوا الناس وأوقعوهم في الضلالة أو أنفسهم بعد الإسلام ، قيل : نزلت في شأن أبي السرح وكان أخا عثمان لأمه حين ارتد ، ثم أسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه (٥)(ثُمَّ جاهَدُوا) مع النبي عليه‌السلام في سبيل الله (وَصَبَرُوا) على الإيمان والهجرة والجهاد (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي بعد تلك الفتنة والهجرة والصبر (لَغَفُورٌ) لذنوبهم (رَحِيمٌ) [١١٠] بادخالهم الجنة.

(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))

قوله (يَوْمَ تَأْتِي) ظرف ل (رَحِيمٌ) أو لفعل مقدر ، أي اذكر يوم تحضر (كُلُّ نَفْسٍ) أي إنسان (تُجادِلُ) أي تخاصم وتعتذر (عَنْ نَفْسِها) أي عن ذاته لا يهمه شأن غيره ، بل يشتغل بالاعتذار عن نفسه ، وهو المراد بالجدال ، فيقول (٦) ما أشركت أنا ولا عصيت أو يقول هؤلاء أضلوني عن طريق الحق ، وفي نفسها إضافة الشيء إلى نفسه ، وتأويلها : أن المراد من النفس الأولى الجملة كما هي ، ومن الثانية العين وهو غيرها ، كأنه قيل تجادل عن ذاتها ، والذات أعم منها (وَتُوَفَّى) أي توفر (كُلُّ نَفْسٍ) سواء كانت فاجرة أو صالحة (ما عَمِلَتْ) أي جزاء عملها في الدنيا من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [١١١] بالنقص عن حسناتهم ولا بالازدياد على سيئاتهم ، قيل : يكون ذلك إذا زفرت جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع جاثيا على ركبتيه حتى إبراهيم خليل الرحمن يقول : يا رب لا أسألك إلا نفسي (٧) ، أي أريد خلاص نفسي لا غير ، وروي : «أن الروح تخاصم الجسد يوم القيامة فيقول الروح : يا رب! لم يكن لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا عين أبصر بها؟ ويقول الجسد : يا رب! جعلتني كالخشب اليابس لا يتحرك بنفسه من جانب إلى جانب ، ولا يقدر على شيء فيضرب الله لهما مثل الأعمى والمقعد فيعذبان معا» (٨).

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢))

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) أي شبها لمن أنعم الله عليه فأبطرته النعمة فكفر وتولى (قَرْيَةً) أي بقرية هي مكة أو أيلة (كانَتْ آمِنَةً) لا يهاج أهلها ولا يغار عليها (مُطْمَئِنَّةً) أي قارة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال للانتجاع كما يحتاج إليه سائر العرب (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً) أي واسعا (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) يعني يحمل إليها من البر والبحر (فَكَفَرَتْ) أي طغت (بِأَنْعُمِ اللهِ) جمع النعمة بعد طرح التاء منها كدرع وأدرع ، روي : «أن أهلها كانوا

__________________

(١) أي هو ناصر لهم لا عدو لهم كما كان عدوا لهؤلاء الكفار ، + م.

(٢) دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك وهم عمار وأصحابه واللام فيه للاختصاص ، ب س : ـ م.

(٣) أي هو ناصر لهم لا عدو لهم كما كان عدوا لهؤلاء الكفار لهجرتهم ، ب س : ـ م.

(٤) «فتنوا» : قرأ الشامي بفتح الفاء والتاء ، والباقون بضم الفاء وكسر التاء. البدور الزاهرة ، ١٨٣.

(٥) عن الحسن وعكرمة ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

(٦) فيقول ، ب م : فتقول ، س.

(٧) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٢٥٣.

(٨) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.