يستنجون بالخبز» (١) أو كفرت بمحمد والقرآن والإسلام (فَأَذاقَهَا اللهُ) أي عاقب أهلها (لِباسَ الْجُوعِ) أي ببلاء القحط سبع سنين حتى أكلوا ما يغوطونه (وَالْخَوْفِ) أي ولباس (٢) خوف العدو أو خوف سرايا النبي عليهالسلام (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) [١١٢] أي بسبب صنيعهم الخبيث ، قيل : شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر وقبح (٣) اللذة ، فاستعمل الإذاقة على إصابته فيقال ذاق فلان الضر والبؤس وأذاقه العذاب ، أي أصابه ذلك ثم يستعمل الذوق عندهم على الملابسة كالحقيقة لشيوعه في الشدائد والبلايا ، فيقال ذاق فلان الضر إذا لابسه وكذا اللباس يشبه به سوء الحال الذي يغشي الإنسان والتبس به من كل جانب كاشتمال اللباس على اللابس فيستعار اللباس له ، ولما كان الخوف والجوع يتغشيانهم تغشى الثوب اللابس استعير في الآية اللباس لكل من الجوع والخوف ، فكأن اللباس قد صار جوعا وخوفا فيلابس بهما ، فكأنه قيل فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف ، يعني ابتلاهم الله بهما وظهر عليهم سوء آثارهم وتغير الحال عليهم عما كانوا عليه من قبل كاللباس لهم (٤) ، وذلك بدعاء النبي عليهالسلام حين قال : «اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعل سنيهم كسني يوسف» (٥) ، فاستجيب دعاؤه فوقع القحط فيهم حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة (٦).
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣))
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ) وهو محمد عليهالسلام (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) أي الجوع (وَهُمْ ظالِمُونَ) [١١٣] والواو للحال.
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤))
ثم أن رؤساء مكة كلموا رسول الله ، وقالوا : أنت عاديت الرجال فما بال الصبيان والنساء؟ فأذن رسول الله عليهالسلام أن يحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون ، فأنزل تعالى (٧)(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) أي من الحرث والأنعام وهم خزاعة وثقيف (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [١١٤] أي توحدونه أو ترضونه بعبادتكم ، فان رضاه أن تستحلوا ما أحله هو وتحرموا ما حرمه هو.
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥))
ثم عرفهم المحرمات ليجتنبوا عنها بقوله (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ) أي رفع الصوت في ذبحه (لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي لغير اسمه تعالى بسبب ذلك الشيء ، فالباء تتعلق (٨) بقوله (فَمَنِ اضْطُرَّ) بشيء مما حرم الله عليه فأكل منه (غَيْرَ باغٍ) أي غير متجاوز عن الأكل بالضرورة عن الشبع (وَلا عادٍ) أي ولا معتد بالسفر فيأكل للضرورة ، فيه إشارة إلى أن العاصي بسفره لا يجوز له أن يأكل الميتة للضرورة ، هذا عند الشافعي أو المراد منه : ولا راجع إلى أكله من غير ضرورة بعد أكله للضرورة (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) فيما أكل (رَحِيمٌ) [١١٥] لترخيصه في أكل الميتة للضرورة.
__________________
(١) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٢) أي ولباس ، س : أي وبلباس ، م ، أي بلباس ، ب.
(٣) قبح ، س : القبيح ، ب م.
(٤) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٥٣ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٦٥.
(٥) رواه ابن ماجة ، إقامة الصلوة ، ١٤٥.
(٦) هذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ٢٥٣.
(٧) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٢٥٤.
(٨) تتعلق ، ب : يتعلق ، س م.