(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦))
ثم نهاهم عن الحكم بالرأي في التحليل والتحريم بلا حجة ، قوله (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ) أي لأجل الذي تصفه (أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) مفعول (لا تَقُولُوا) ، جعله عين الكذب مبالغة ، وأبدل منه قوله (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) يعني لا تقولوا الكذب للذي تصفونه بالحل والحرمة من البهائم في قولكم (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا)(١) ، ومحرم على أزواجنا (٢) كذبا (٣) من غير إسناد إلى الله هذا حلال وهذا حرام ف «ما» موصولة ، والعائد محذوف ، ويجوز أن تكون مصدرية ، والكذب مفعول (تَصِفُ) ، ويتعلق (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) ب (لا تَقُولُوا) على معنى : ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب ، يعني لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول ينطق به ألسنتكم لا لأجل حجة وبينة من الوحي ، بل بالقول الباطل والدعوى الفارغة (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بتحريم البحيرة والسائبية وغيرهما ، واللام فيه للصيرورة ، متعلق ب «لا تقولوا» (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) [١١٦] أي لا ينجون من العذاب في الآخرة ، وفيه تهديد لأهل الفتوى والقضاء (٤).
(مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧))
قوله (مَتاعٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي بقاؤهم في الدنيا وعيشهم تمتع (قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [١١٧] أي دائم في الآخرة لأجل ذلك القليل.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨))
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي مالوا عن الإسلام ، وهم اليهود (حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي قبل هذه السورة في سورة الأنعام (وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريمنا ذلك عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [١١٨] بترك الإيمان وبالمعاصي ، فحرمنا عليهم ببغيهم.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩))
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ) ولي وناصر (٥)(لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ) أي المعصية (بِجَهالَةٍ) في موضع الحال ، أي جاهلين بالله وبعقابه ، يعني غير متفكرين للعقاب لغلبة الشهوة عليهم (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي بعد عمل السوء (وَأَصْلَحُوا) أي واستقاموا على التوبة (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي بعد التوبة (لَغَفُورٌ) لذنوبهم (رَحِيمٌ) [١١٩] بهم بالثواب.
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠))
ثم بين حال إبراهيم لكفار مكة ليتبعوا ملته فقال (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) أي كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفاته الخير أو الأمة بمعنى المأموم لقصد (٦) الناس إياه ليأخذوا منه الخير أو لأنه كان إماما في الدين
__________________
(١) الأنعام (٦) ، ١٣٩.
(٢) في قولكم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، ب س : ـ م.
(٣) كذبا ، ب م : ـ س.
(٤) القضاء ، ب م : القضاة ، س.
(٥) وناصر ، ب س : ـ م.
(٦) لقصد ، ب س : بقصده ، م.