معلما الخير (١) يأتم به الناس ، وقيل : «كان مؤمنا وحده في زمانه والناس كلهم كفارا» (٢)(قانِتاً لِلَّهِ) أي مطيعا لربه أو قائما بأوامر الله (حَنِيفاً) أي مائلا إلى الحق غير زئل عنه ، يعني مستقيما مخلصا على دين الإسلام ، قوله (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [١٢٠] تكذيب لكفار مكة حيث قالوا إنه منا ، أي لم يكن إبراهيم معهم في دينهم ، حذف النون من كان لكثرة الاستعمال.
(شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١))
(شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) أي كان عارفا ذاكرا بما أنعم الله عليه من أنواع النعم ، لأنه كان لا يأكل إلا مع الضيف وينفق على الفقراء واليتامى والمساكين (اجْتَباهُ) أي اختاره الله للنبوة (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [١٢١] أي إلى دين (٣) الحق وهو الإسلام.
(وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢))
(وَآتَيْناهُ) أي أعطيناه (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي رسالة وخلة أو لسان الصدق والثناء الجميل ، وقيل : القبول العام في جميع الأمم (٤) ، وقيل : الأموال والأولاد (٥)(وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [١٢٢] أي مع أنبيائه (٦) في الجنة.
(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣))
(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «ثم» فيه لتعظيم النبي عليهالسلام وإجلال محل إبراهيم عليهالسلام ليتبع المشركون دين الإسلام ، لأنه ملة إبراهيم عليهالسلام ، أي أمرناك مع هذه الكرامة العظيمة التي أعطيناك (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي دينه (حَنِيفاً) حال من فاعل (اتَّبِعْ) ، أي مستقيما عليه أو حال من (إِبْراهِيمَ) ، أي حال كونه مسلما (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [١٢٣] أي على دينهم ، قال العلماء : كان النبي عليهالسلام مأمورا بشريعة إبراهيم إلا ما نسخ بشريعته وما لم ينسخ صار شرعا له.
(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤))
قوله (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) نزل تحريضا على الاستقامة في دين الحق (٧) ، لأن الميل عنه يورث الطرد واللعنة ، أي ما جعل السبت لعنة أو ما فرض تعظيم السبت وترك الاصطياد فيه إلا على القوم الذين اختلفوا في السبت وهم اليهود ، واختلافهم أنهم حرموا الصيد فيه تارة وأحلوه تارة ، ولم يتفقوا على تحريمه ، وقيل : اختلافهم إن الله افترض عليهم تعظيم الجمعة بالوحي على موسى بقوله تفرغوا في كل سبعة أيام يوما فاعبدوه يوم الجمعة ، ولا تعلموا فيه لصنعتكم وستة أيام لصناعتكم ، فأبوا ، وقالوا : لا نريد إلا اليوم الذي فرغ الله فيه من الخلق يوم السبت ، فجعل ذلك اليوم عليهم وشدد فيه عليهم ، ثم جاء عيسى بيوم الجمعة ، فقالوا : لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا يعنون اليهود ، فاتخذوا يوم الأحد فأعطى الله الجمعة
__________________
(١) الخير ، ب س : لخير ، م.
(٢) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٥٦ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٦٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٥٤.
(٣) أي إلى دين ، س : أي دين ، ب م.
(٤) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٥٦.
(٥) نقله المفسر عن الكشاف ، ٣ / ١٦٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٥٦.
(٦) أنبيائه ، س م : آبائه ، ب ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٥٥.
(٧) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.