إلى الإسلام (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً) أي نور المعرفة بسبب الإسلام (يَمْشِي) أي يعمل (بِهِ فِي النَّاسِ) أي بينهم متبصرا بنوره فيعرف الحق من الباطل والحلال من الحرام (كَمَنْ) أي كالذي (مَثَلُهُ) أي صفته وحاله (فِي الظُّلُماتِ) يركب بعضها بعضا من الشرك والعصيان والخذلان (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) أي لا يجد من الله مخرجا من الظلمات إلى النور ، يعني ليسا سواء ، والجملة في محل النصب على الحال من الضمير المرفوع في الظلمات (كَذلِكَ) أي مثل ذلك التزيين (زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٢٢] يعين زين لهم الشيطان عبادة الأصنام فرضوا بها.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣))
(وَكَذلِكَ) أي كما جعلنا فساقا أهل مكة أكابرها (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) وإنما ذكر الأكابر دون الصغائر ، لأن الأكابر هم الصادون عن دين الله (لِيَمْكُرُوا فِيها) بالتكذيب والصد عن الإيمان ونسبة النبي عليهالسلام إلى السحر والجنون (وَما يَمْكُرُونَ) أي وما يصنعون المكر (إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) لأن وبال مكرهم راجع عليهم (وَما يَشْعُرُونَ) [١٢٣] أن وباله عليهم ، وهذا تسلية للنبي (١) عليهالسلام ، وتقديم موعد بنصرته عليهم.
(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤))
قوله (٢)(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ) نزل حين قال الوليد بن المغيرة وأصحابه : لو أراد الله أن ينزل الوحي لأنزل علينا (٣) ، وقيل قال أبو جهل : «زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى صرنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يوحي إليه ، والله لا نرضى به ولا نتبعه بالإيمان به حتى يأتينا وحي كما يأتيه» (٤) ، فقال تعالى : فاذا جاءتهم ، أي كفار مكة دلالة على صدق محمد عليهالسلام كانشقاق القمر ، قالوا حسدا : لن نؤمن بك ولا بالآية (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ) أي حتى نعطي مثل ما أعطي محمد مما أعطي (رُسُلُ اللهِ) من الوحي ، فقال تعالى إنكارا لصلاحيتهم الرسالة (اللهُ أَعْلَمُ) من غيره يعلم (حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) مفردا وجمعا (٥) ، أي الله يعلم مكان وضع رسالاته من الناس (٦) ، يعني يعلم من يصلح للنبوة ومن لا يصلح ، فخص بها محمدا (٧) من بينهم ، ف «حيث» مفعول به وعامله محذوف وهو يعلم لا «أعلم» ، وليس ظرفا لفساد المعنى ، ثم هددهم لتكذيبهم الرسل وإستهذائهم بقوله (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) من أكابر الكفار (صَغارٌ) أي هوان وذل لكبرهم (عِنْدَ اللهِ) أي من الله في الآخرة (وَعَذابٌ شَدِيدٌ) في الدنيا بالأسر والقتل ثم بالنار بعد البعث (بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) [١٢٤] من تكذيب الرسل واستهذائهم.
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥))
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) أي يرشده ويوفقه لدينه (يَشْرَحْ صَدْرَهُ) أي يوسع قلبه ويلينه (لِلْإِسْلامِ) أي لقبول الإسلام فيدخله فيه نوره وحلاوته وتطمئن إليه نفسه ، فبعد نزول هذه الآية قالوا : يا رسول الله! وكيف ذلك؟ إذا دخل النور في القلب انشرح وانفسح قالوا هل لذلك علامة يعرف بها قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) عن الإسلام (يَجْعَلْ صَدْرَهُ
__________________
(١) للنبي ، ب س : النبي ، م.
(٢) قوله ، ب م : ـ س.
(٣) نقله المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٥١١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤١٤ ـ ٤١٥.
(٤) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٢ / ٤١٥.
(٥) «رسالته» : قرأ حفص وابن كثير بغير ألف بعد اللام ونصب التاء ، والباقون باثبات الألف وكسر التاء. البدور الزاهرة ، ١١٠.
(٦) من الناس ، ب س : ـ م.
(٧) محمدا ، ب م : محمد ، س.