أرفع درجة من بعض وبعضهم أسفل درجة من بعض ، يعني أشد عذابا ممن فوقه (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) عن ما (يَعْمَلُونَ) [١٣٢] بالياء والتاء (١) ، أي ليس بناس للطاعة (٢) من أهلها ولا للمعصية من أهلها فيجازي كل نفس بما عملت.
(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣))
(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) أي ربك هو الغني عن طاعة خلقه وأهل الرحمة لمن تاب عن المعصية أو ذو الرحمة بتأخير العذاب عن أهل الكفر والمعصية (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي يهلككم (وَيَسْتَخْلِفْ) خلقا غيركم (مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) إن شاء مثلكم أو أطوع منكم (كَما أَنْشَأَكُمْ) أي كما خلقكم (مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) [١٣٣] قرنا بعد قرن.
(إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤))
(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من البعث والجزاء (لَآتٍ) أي لكائن لا خلف فيه (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) [١٣٤] أي بفائتين من عذابي بأعمالكم الخبيثة ، عجز وأعجز بمعنى فات.
(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥))
(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) مفردا وجمعا (٣) ، أي قل لكفار مكة اجتهدوا في إهلاكي على وسع قوتكم وحالكم أو اثبتوا في كفركم (إِنِّي عامِلٌ) على مكانتي بما أوحي إلي (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ) أي الذي (تَكُونُ) بالتاء والياء (٤)(لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي آخر الأمر في دار الدنيا من النصرة وفي الآخرة من الثواب ، فمحل (مَنْ) نصب ب (تَعْلَمُونَ) ، ويجوز أن يكون بمعنى أي ، وعلق عنه فعل العلم (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [١٣٥] بالكفر والتكذيب في الآخرة.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦))
قوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) أي خلق (مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) وللأصنام نصيبا ، وهذا من قبيل الاكتفاء ، نزل تجهيلا لهم وتجهينا لحالهم حيث كانوا يجعلون نصيبا من زروعهم وأنعامهم لله ونصيبا منها للأصنام ، فنصيب الله للمساكين والأضياف ونصيب أصنامهم لخدامها فما سقط من نصيب الله في نصيب أصنامهم تركوه فيه ، وما سقط من نصيب أصنامهم في نصيب الله ردوه إلى نصيب أصنامهم ، وكانوا يقولون إنها محتاجة والله غني عن هذا فيوفرون نصيب أصنامهم به (٥)(فَقالُوا) أي فكانوا يقولون (هذا) أي هذا النصيب (لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) بفتح الزاء وضمها (٦) ، أي بقولهم الكاذب لا بأمر الله لهم بذلك (وَهذا) أي وهذا النصيب (لِشُرَكائِنا) أي للأصنام (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ) أي الذي وضع لأصنامهم (فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) أي لا يصرفونه إلى الجهات التي كانوا يصرفون نصيب الله إليها (وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) أي يصرفونه إلى الجهات التي كانوا يصرفون نصيب أصنامهم إليها ، فقال تعالى (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [١٣٦] حيث وصفوا له شريكا ووضعوا له نصيبا وما عدلوا في القسمة.
__________________
(١) «يعملون» : قرأ ابن عامر بالتاء الفوقية ، والباقون بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ١١٠.
(٢) للطاعة ، ب س : الطاعة ، م.
(٣) «مكانتكم» : قرأ شعبة بألف بعد النون ، والباقون بغير ألف. البدور الزاهرة ، ١١٠.
(٤) «تكون» : قرأ الأخوان وخلف بياء التذكير ، والباقون بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ١١٠.
(٥) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٤٢٣.
(٦) «بزعمهم» : قرأ الكسائي بضم الزاي ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١١١.