يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) من الرجال والنساء ، وغرضهم منع الأكل من النساء (بِزَعْمِهِمْ) يتعلق بقوله (وَقالُوا) ، وكان مفتيهم بالحل والحرمة (١) بالزعم مالك بن عوف (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) وهي الحوامي فلا تركب (وَأَنْعامٌ) تذبح على اسم آلهتهم (لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) ونسبوا حكم هذه الأقسام الثلثة من الأنعام إلى الله ، وقالوا هذا حكم الله (افْتِراءً) أي اختلاقا (عَلَيْهِ) نصبه مفعول له (سَيَجْزِيهِمْ) تهديد لهم ، أي سيعاقبهم الله (بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) [١٣٨] أي يختلقون بأنه حكمه.
(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))
(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ) أي الذي في بطون البحائر والسوائب غير الحوامي ، جملته مخصوصة (لِذُكُورِنا) أي يأكل الرجال من أجنتها إذا ولدت حية ويشربون من ألبانها ، فتأنيث (خالِصَةٌ) باعتبار المعنى ، لأن ما في بطون الأنعام أنعام (وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي لا يأكل منه النساء ولا يشربن من لبنه ، وتذكير (مُحَرَّمٌ) باعتبار «ما» (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) بتأنيث الفعل ورفع ال (مَيْتَةً) ، أي إن تحدث من بطون الأنعام ميتة ، ف «كان» تامة ، وقرئ بتأنيثه ، ونصب «ميتة» ، ف «كان» ناقصة ، أي إن تكن أجنتها ميتة ، وبتذكير الفعل حملا على لفظ (ما) ، ونصب (مَيْتَةً) ، أي وإن يكن ما في بطون الأنعام ميتة ، وبرفع «ميتة» (٢) ف «كان» تامة ، يعني إن وضعت الناقة من الأجنة حيا فمختص بالرجال وإن ولدت ميتا (فَهُمْ) أي الرجال والنساء (فِيهِ) أي في المولود أو الضمير يرجع إلى «ما» (شُرَكاءُ) أي اشترط الرجال والنساء في أكل لحم الفصيل ولبن الناقة (سَيَجْزِيهِمْ) أي سيعاقبهم الله (وَصْفَهُمْ) أي جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل والتحريم (إِنَّهُ حَكِيمٌ) في أمره (عَلِيمٌ) [١٣٩] بخلقه.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))
قوله (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا) بالتشديد والتخفيف (٣) ، نزل في الذين دفنوا بناتهم أحياء مخافة السبي والفقر ، وهم ربيعة ومضر (٤) ، أي أهلكوا (أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) أي لخفة عقل ، نصبه مفعول له (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بغير حجة أو بجهل منهم أن الله هو رازق (٥) أولادهم دونهم ، وعطف (وَحَرَّمُوا) أي جعلوا (ما رَزَقَهُمُ اللهُ) حراما عليهم من البحائر والسوائب وغيرهما على (قَتَلُوا) ، أي وخسر الذين حرموا ما لم يأمرهم الله بتحريمه (افْتِراءً عَلَى اللهِ) أي لكذبهم عليه بأنه أمرنا بذلك (قَدْ ضَلُّوا) عن الهداية ودين الإسلام (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [١٤٠] من قبل ، فخذلهم الله بكفرهم وافترائهم عليه.
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١))
ثم قال لبيان المحلل والمحرم هو الخالق لا غير (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) أي خلق (جَنَّاتٍ) أي بساتين في الأرض (مَعْرُوشاتٍ) أي منبسطات على وجه الأرض كالقرع والبطيخ (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) أي قائمات على ساق كالأشجار أو المعروش ما دعم كالكروم ، وغير المعروش ما لم يدعم كالنخل وغيره (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) أي وخلق
__________________
(١) الحرمة ، ب س : حرمة ، م.
(٢) «وإن يكن ميتة» : قرأ نافع وأبو عمرو وحفص والأخوان وخلف ويعقوب بتذكير «يكن» ونصب «ميتة» ، وقرأ ابن عامر بتأنيث «يكن» ورفع «ميتة» ، ومثله أبو جعفر إلا أنه يشدد الياء حسب مذهبه ، وقرأ المكي بتذكير «يكن» ورفع «ميتة» ، وقرأ شعبة بالتأنيث والنصب. البدور الزاهرة ، ١١١.
(٣) «قتلوا» : قرأ ابن كثير وابن عامر بتشديد التاء ، والباقون بالتخفيف. البدور الزاهرة ، ١١١.
(٤) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٢ / ٤٢٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥١٧ ؛ والكشاف ، ٢ / ٩٠
(٥) الله هو رازق ، س : الله رازق ، ب م.