كلا منهما (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) بضم الكاف وسكونها (١) ، حال مقدرة ، لأن وقت الإنشاء لا أكل فيه وهو الثمر (٢) الذي يؤكل ، أي حال كون النخل مختلفا طعمه من الخامض والحلو والمر أو الإختلاف في الطعم واللون والحجم والرائحة (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) في المنظر (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) في الطعم ، ثم أحل الأكل من الثمرات أول ما يبدو بقوله (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) قيل : إن قوله (إِذا أَثْمَرَ) كالزائد لما علم (٣) أنه إذا لم يثمر لا يؤكل ، قلنا : إنما (٤) قيده للتأكيد ، يعني أبيح لكم الأكل من ثمره وقت إطلاع الشجر الثمر لئلا يتوهم أنه لا يباح إلا إذا أدرك وأينع (٥)(وَآتُوا) أي أعطوا (حَقَّهُ) أي زكوته المفروضة من العشر ونصف العشر إن جعلت الآية مدنية أو أعطوا (٦) صدقة منه على المساكين إن جعلت مكية (يَوْمَ حَصادِهِ) بفتح الحاء وكسره (٧) ، أي يوم كيله أو يوم صرامه ، وكان ذلك واجبا قبل الزكوة ، فنسخته الزكوة (٨) ، المعنى : أنكم تصدقوا على الفقراء مما أعطيتم (وَلا تُسْرِفُوا) باخراج جميع المال في التصدق كما روي عن ثابت بن قيس أنه صرم خمسمائة نخلة ، ففرق ثمرها كله ولم يدخل شيئا منه في منزله لأهله (٩)(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [١٤١] باخراج الكل وإيجاع الأهل.
(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢))
(وَمِنَ الْأَنْعامِ) أي وأنشأ من الإبل والبقر والغنم (حَمُولَةً) أي ما يحمل عليه كالإبل والبقر (وَفَرْشاً) وهو ما يفرش للذبح كصغار الإبل والغنم والبقر ، فقال (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي من الحرث والأنعام حلالا طيبا (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) بدعوته إياكم إليها في التحريم والتحليل والمعاصي (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [١٤٢] أي ظاهر العداوة ، لأنه يضلكم ولا ينصح لكم.
(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣))
قوله (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) بدل من (حَمُولَةً) ، أي خلق لكم من الأنعام ثمانية أصناف ، والأزواج جمع زوج ، والمراد الذكر والأنثى إلا أنه يقال للواحد زوج إذا لم ينفك عن صاحبه ، ثم فصل ما أجمل بالثمانية فقال (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) وهو بدل من (ثَمانِيَةَ) والبواقي معطوفة عليه ، والمراد من (الضَّأْنِ) الذكر والأنثى (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) أي الذكر والأنثى بفتح العين وسكونها لغتان (١٠) ، نزلت الآية في مفتيهم مالك بن عوف وأصحابه حيث حرموا تارة بعض الأنعام بسبب الذكورة وبعضها تارة بسبب الأنوثة (١١) كما سبق في السوائب والبحيرة ، فأمر الله نبيه عليهالسلام أن ينكر عليهم ويناظرهم بقوله (١٢)(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ) من الضأن والمعز (حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) منهما (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) منهما ، يعني قل لهم أن (١٣) يبينوا (١٤) علة الحرمة من الذكورة والأنوثة ، واشتمال الرحم عليهما فان كان الذكورة لزم أن يكون كل ذكر حراما لوجود العلة وإن كان الأنوثة ، فكذلك
__________________
(١) «أكله» : قرأ نافع وابن كثير باسكان الكاف ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١١١.
(٢) وهو الثمر ، س : وهي الثمر ، ب م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٩١.
(٣) إذا أثمر كالزائد لما علم ، ب س : إذا أثمر زائد لأنه قد علم ، م.
(٤) قلنا إنما ، ب س : أجيب بأنه ، م.
(٥) نقله عن الكشاف ، ٢ / ٩١.
(٦) أعطوا ، ب س : ـ م.
(٧) «حصاده» : قرأ البصريان والشامي وعاصم بفتح الحاء ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ١١٢.
(٨) عن الضحاك وعكرمة ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥١٩ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ١٣٨ ـ ١٤٢ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٢٨ (عن ابن عباس) ؛ وابن الجوزي ، ٣٤.
(٩) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥١٩.
(١٠) «المعز» : قرأ المكي والشامي والبصريان بفتح العين ، والباقون باسكانها. البدور الزاهرة ، ١١٢.
(١١) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥١٩ ؛ والكشاف ، ٢ / ٩٢.
(١٢) بقوله ، ب م : ـ س.
(١٣) أن ، س : ـ ب م.
(١٤) يبينوا ، ب م : تثبتوا ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥١٩.