ينبغي أن يكون كل أنثى حراما لوجود العلة وإن كان احتمال الرحم ، وجبت حرمتهما جميعا (١) لوجود العلة فيهما فمن أين جاء التحريم (نَبِّئُونِي) أي أخبروني عن سبب ما حرمتم من الأنعام (بِعِلْمٍ) أي بتحقيق حجة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [١٤٣] أن الله حرمها ، وهذه الجملة اعترضت بين المعدودات ، والأصل أن يكون متوالية ليفيد تأكيد الاحتجاج على من حرمها وتشديد التحليل.
(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤))
ثم قال (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ) أي وخلق من الإبل ذكرا وأنثى (وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى (قُلْ) إنكارا عليهم (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ) حرم (الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ) حرم (ما (اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) من الإبل والبقر ، يعني بينوا لي من أين جاء التحريم فيها (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أي حضورا إن لم تستطيعوا على إثبات الحرمة بالبرهان العقلي (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) أي بالتحريم في زعمكم ، وهذا الكلام تجهيل لهم ، فتحير مالك بن عوف من كلام النبي عليهالسلام ، فقال ما لك : لا تتكلم؟ فقال : بل تكلم أنت فأسمع أنا فنزل (٢)(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة تحريم ما لم يحرم إليه (لِيُضِلَّ النَّاسَ) عن دين الحق (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بلا حجة واضحة ، وقيل : المراد منه عمرو بن لحي ، وهو الذي سيب السوائب وبحر البحيرة (٣)(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي لا يرشد إلى الحجة (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [١٤٤] بكفرهم وكذبهم.
(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥))
ثم بين لهم ما حرم عليهم من المطعومات بقوله (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ) من القرآن (مُحَرَّماً) أي شيئا حرمه الله بوجه (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) أي آكل يأكله (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) بالتاء والياء ورفع (مَيْتَةً) فاعله ، ف «كان» تامة ، وبنصبها (٤) ف «كان» ناقصة إلا أن يكون المحرم أو المأكول ميتة (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) أي سائلا جاريا في العروق أو منفصلا عن اللحم لا كالكبد والطحال ولا كالدم المختلط باللحم والمخ ، فانهم كانوا يأكلون دماء الذبيحة ، قيل : «لو لا هذه الآية ليتبع المسلمون من العروق ما يتبعه اليهود» (٥) أو يكون المأكول (لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي حرام (أَوْ فِسْقاً) عطف على (لَحْمَ خِنزِيرٍ) ، أي أو يكون المذبوح خارجا عن أمر الله وصفة «فِسْقاً» (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي رفع الصوت بالاسم (٦) لغير الله ، أي لمعبودهم ، يعني يذكر اسمه على المذبوح عند ذبحه وسمي (فِسْقاً) لتوغله في المعصية بذكر اسم غير الله عليه ، احتج بعض بهذه الآية على أن ما سوى هذه الأشياء مباح ، ولكن الأكثر قالوا : قد حرم الله أشياء غير هذه على لسان رسوله عليهالسلام ، ومن ذلك كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير (٧) ، قال الله (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٨)(فَمَنِ اضْطُرَّ) أي من احتاج إلى أكل شيء من المحرمات فاكل (غَيْرَ باغٍ) أي غير ظالم لغير المضطر (وَلا عادٍ) أي ولا متجاوز عن مقدار ما يسد له الرمق إلى ما فوقه (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [١٤٥] أي لا يؤاخذه بذلك أو لكل من
__________________
(١) جميعا ، ب م : ـ س.
(٢) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٢٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٣٠ ـ ٤٣١.
(٣) نقله المصنف عن الكشاف ، ٢ / ٩٢.
(٤) «إلا أن يكون ميتة» : قرأ نافع والبصريان وعاصم والكسائي وخلف في اختياره : «يكون» بالتذكير ، و «ميتة» بالنصب ، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر «يكون» بالتأنيث و «ميتة» بالرفع مع تشديد «ميتة» لأبي جعفر ، وقرأ ابن كثير وحمزة : «يكون» بالتأنيث ، و «ميتة» بالنصب. البدور الزاهرة ، ١١٢.
(٥) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٣٢.
(٦) بالاسم ، س م : بالفسق ، ب.
(٧) وهذا منقول عن البغوي ، ٢ / ٤٣٢.
(٨) الحشر (٥٩) ، ٧.