تاب عن الذنوب وأطاع (١) أمر ربه.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦))
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي وعلى اليهود (حَرَّمْنا) سوى المحرمات الأصلية المذكورة في الآية قبلهم أشياء كانت حلالا في الأصل بسبب معصيتهم ، يعني (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أي الإبل والبط والنعامة ، قيل : «كان بعض ذوات الظفر حلالا لهم ، فلما ظلموا حرم عليهم ذلك فعم التحريم كل ذي ظفر» (٢) ، والظفر ما يكون في طرف الأيدي والأرجل للإنسان وغيره من الحيوانات ، ثم سمي بعض خفا وبعض مخلبا وبعض حافرا وبعض ظفرا ، والمراد هنا ما ليس بمنشق كالبط وغيره ، وقيل : «كل ذي مخلب من الطيور وكل ذي حافر من الدواب» (٣)(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) أي شحوم البقر والغنم ، وهي شحوم الكلى وشحوم البطون وهي الرقيقة التي على الكرش (٤)(إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) وهو الشحم المعلق بالظهر والجنبين من داخل ، فانه أحله لهم (٥)(أَوِ الْحَوايا) عطف على (ظُهُورُهُما) أو ما حملت المباعر ، جمع حاوية من الشحوم وهي ما اشتمل على الأمعاء (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) وهو شحم الألية لما فيها من العظم ، وقيل : «هو المخ الذي التزق بالعظم» (٦)(ذلِكَ) أي الجزاء ، يعني تحريم الطيبات عليهم (جَزَيْناهُمْ) أي عاقبناهم (بِبَغْيِهِمْ) أي بسبب ظلمهم وشركهم ، لأنها كانت حلالا لهم في الأصل (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [١٤٦] فيما أخبرنا به من كونها حلالا ، ثم حرمناها (٧) عليهم بمعصيتهم وإنما قال ذلك لأن اليهود قالوا : إن هذه الأشياء كانت حراما من الأصل ردا عليهم.
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧))
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما جئت به من التحريم والتحليل (فَقُلْ) استعطافا بهم (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) لا يعجل (٨) عليكم بالعقوبة (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) أي عذابه (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [١٤٧] يعني إذا جاء لا يؤخر عنهم.
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨))
قوله (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله غيره ، نزل إخبارا عما يقولونه استهزاء بعد لزوم الحجة عليهم (٩)(لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) وزيد (لا) للفصل بين ضمير الفاعل في «أشركنا» والعطف عليه بما بعده (وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) من البحائر والسوائب وغير ذلك ، يعنون أن كل ما فعلناه بمشية الله ، قالوا ذلك لتكذيبك لا لتعظيم الله (كَذلِكَ) أي مثل هذا التكذيب الذي كذبوك (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من الأمم (١٠) أنبياءهم (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) أي عذابنا فهلكوا (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) أي حجة واضحة على صحة دعواكم أن الله حرم هذه الأشياء التي تحرمونها (١١)(فَتُخْرِجُوهُ) أي فتظهروه (لَنا) ليثبت ما تدعون من التحريم والشرك ، ثم بين تعالى أنهم قالوا ذلك بلا علم وبيان قوله (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) أي ما يقولون ذلك إلا بالظن من غير يقين (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [١٤٨] أي تكذبون في قولكم أن ذلك من الله فلما لم يظهر منهم حجة.
__________________
(١) وأطاع ، ب س : أو أطاع ، م.
(٢) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٢ / ٩٢.
(٣) عن القتيبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٣٣.
(٤) الكرش ، ب س : الكراش ، م.
(٥) لهم ، س م : بهم ، ب.
(٦) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٢١.
(٧) حرمناها ، س : حرمنا ، ب م.
(٨) أي لا يعجل ، س : لا يعجل ، ب م.
(٩) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٢٢.
(١٠) أي من الأمم ، س : من الأمم ، ب م.
(١١) تحرمونها ، ب س : يحرمونها ، م.