(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩))
قال تعالى (قُلْ) يا محمد (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أي التامة الوثيقة وهي آيات القرآن ونبوة محمد عليهالسلام في تبيين ما أحل لهم وما حرم عليهم (فَلَوْ شاءَ) الله مشية إلجاء (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [١٤٩] أي لأرشدكم إلى دينه الحق بلطفه وتوفيقه لو كنتم أهلا له بأدنى توجه إليه.
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠))
(قُلْ) يا محمد (هَلُمَّ) أي أحضروا ، وهو اسم فعل بني لوقوعه موقع الأمر ، يستوي فيه الواحد والجمع والذكر والأنثى عند أهل الحجاز (شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) لكم مع علمكم أنهم شهداء وإن كانوا شهود باطل (أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي الذي حرمتموه أمره باستحضارهم ليلزمهم الحجة ويلقمهم الحجر لهدم (١) ما يثقون به من شهادتهم بقوله (فَإِنْ شَهِدُوا) كاذبين (فَلا تَشْهَدْ) يا محمد (مَعَهُمْ) أي لا تصدقهم ولا تسلم لهم حتى لا تكون واحدا منهم لأن شهادتهم بأهوائهم ، أمره وأراد غيره ، ثم حذره من اتباع المبطلين بقوله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن وبمحمد من أهل الكتاب (وَالَّذِينَ) أي لا تتبع أهواء الذين (لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يقرون (بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [١٥٠] أي يشركون من مشركي العرب.
(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١))
(قُلْ تَعالَوْا) أي جيؤا من العلو ، والأصل أن يقول هذا اللفظ من هو بمكان عال لمن هو في مكان أخفض منه ، ثم استعمل للأمر بالمجيء بكل مكان (أَتْلُ) أي اقرأ (ما حَرَّمَ) أي الذي حرمه (رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أن) مفسرة ، أي أن (لا (تُشْرِكُوا) ف «لا» أصلية للنهي أو مصدرية ، ومحل المصدر نصب ب (حَرَّمَ) ، ف (لا) مزيدة للتأكيد ، أي حرم أن تشركوا (بِهِ شَيْئاً) وكونه نهيا أنسب لعطف قوله (وَبِالْوالِدَيْنِ) فانه (٢) متعلق بالأمر المقدر ، أي واتل ما أمركم الله أن أحسنوا بهما (إِحْساناً) يعني (٣) أمركم ببر الوالدين ونهاكم عن عقوقهما (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) أي من أجل فقر (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) بدلان من (الْفَواحِشَ) ، والمراد زنا السر والعلانية (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) قتلها (إِلَّا بِالْحَقِّ) كقصاص وقتل ردة ورجم ، فان ذلك كله حق ، يوضحه قوله (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) أي أمركم الله به في القرآن (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [١٥١] ما حرمه وما أحله في هذه الآيات التي هن أم الكتاب ، يعني محكمات يقتدى بها في التورية والإنجيل والزبور والفرقان لا يرد عليه النسخ.
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢))
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي) أي إلا بالخصلة (٤) التي (هِيَ أَحْسَنُ) عملا ، وهي حفظه وإصلاحه وتثميره بوجه معروف (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة أو البلوغ والعقل ، وهو جمع شد كقد وأقد (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أي أتموهما عند البيع والشرى (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (لا نُكَلِّفُ) الله (نَفْساً إِلَّا
__________________
(١) لهدم ، م : بهدم ، ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٩٤.
(٢) فانه ، ب س : ـ م.
(٣) يعني ، ب س : أي ، م.
(٤) أي إلا بالخصلة ، س : أي بالخصلة ، ب س.