وُسْعَها) أي طاقتها في العدل ، يعني لو وقع بعد الاجتهاد زيادة قليلة أو نقصان قليل في الكيل والوزن لا يؤاخذ به الإنسان ، ثم قال (وَإِذا قُلْتُمْ) أي إذا تكلمتم في الحكم والشهادة (فَاعْدِلُوا) أي قولوا الحق (وَلَوْ كانَ) المحكوم عليه (ذا قُرْبى) أي صاحب قرابة لكم (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) أي أتموا كل عهد بينه وبينكم أو بين الناس وبينكم ، يعني كل واجب من امتثال أمر ونهي ونذر وحفظ أمانة كسر ومال وعقد موثق (ذلِكُمْ) أي الذي تلوته عليكم (وَصَّاكُمْ بِهِ) أي أمركم الله (١) بأخذه والعمل به في كتابه (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [١٥٢] بالتخفيف والتشديد (٢) ، أي يتعظون فتمثلون بأمره ونهيه.
(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣))
قوله (وَأَنَّ) بالكسر استئناف ، أي قال تعالى إن (هذا) أي الذي وصاكم به (صِراطِي مُسْتَقِيماً) في الدين لا عوج فيه إلى دخول الجنة التي هي دار السلامة (٣) ، وبفتح «أن» (٤) ، أي ولأن هذا صراطي مستقيما (فَاتَّبِعُوهُ) لاستقامته (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أي الطرق المختلة في الدين ، وهي طرق الشيطان ، وجواب النهي (فَتَفَرَّقَ) أصله فتتفرق ، أي فتميل (بِكُمْ) ضالين باتباع الأهواء (عَنْ سَبِيلِهِ) أي دين الله المستقيم وهو الإسلام (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) أي بالمذكور (٥)(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [١٥٣] أي تحذرون الأهواء المختلفة فتستقيمون في دينه.
(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤))
قوله (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى) عطف على (وَصَّاكُمْ بِهِ) بكلمة (ثُمَّ) للتراخي وإن كانت التوصية في القرآن وإيتاء التورية قبل نزوله ، لأن هذه التوصية قديمة يوصي بها كل أمة على لسان نبيهم لما ذكرنا أن آيات التوصية محكمات لم يرد عليها نسخ من جميع الكتب ، فكأنه قال تعالى : ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديما وحديثا ، ثم أعظم من ذلك أنا آتينا موسى (الْكِتابَ) أي التورية (تَماماً) مفعول له (٦) ، أي لتمام النعمة (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي على المحسنين من الأنبياء والمؤمنين للعمل بشرائعه في الإسلام أو على الذين أحسنه الله لموسى ، فالضمير في (أَحْسَنَ) ل «الله» ، والمفعول محذوف (وَتَفْصِيلاً) أي وبيانا (لِكُلِّ شَيْءٍ) من الحلال والحرام (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) أي وأمنا من العذاب (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) [١٥٤] أي يقرون بالبعث.
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥))
(وَهذا) أي ومن تمام النعمة هذا القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أي فيه بركة لمن آمن به ومغفرة للذنوب تلاوة وعملا بما فيه (فَاتَّبِعُوهُ) أي اقتدوا به للعمل بأوامره ونواهيه (وَاتَّقُوا) أي اجتنبوا عن اتباع غيره (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [١٥٥] أي لكي ترحموا ولا تعذبوا.
(أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦))
قوله (أَنْ تَقُولُوا) مفعول له لقوله «أنزلنا» قبله ، أي أنزلناه مخافة أن تقولوا يا أهل مكة (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ) أي اليهود والنصارى (مِنْ قَبْلِنا) ويقولوا (٧) أيضا (وَإِنْ كُنَّا) أي إن الشأن ، أصله إنه كنا (عَنْ دِراسَتِهِمْ) أي عن قراءتهم الكتاب (لَغافِلِينَ) [١٥٦] يعني لا نفهمها ، لأنها ليست بلغاتنا.
__________________
(١) الله ، ب س : ـ م.
(٢) «تذكرون» : قرأ حفص والأخوان وخلف بتخفيف الذال ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ١١٣.
(٣) السلامة ، ب م : السلام ، س.
(٤) «وأن» : قرأ حمزة والكسائي وخلف بكسر الهمزة ، والباقون بفتح الهمزة. البدور الزاهرة ، ١١٣.
(٥) أي بالمذكور ، ب س : أي الممذكور ، م.
(٦) مفعول له ، ب س : ـ م.
(٧) ويقولوا ، س م : وتقولوا ، ب.