(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧))
قوله (أَوْ تَقُولُوا) عطف على (أَنْ تَقُولُوا) ، أي لئلا تقولوا (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) أي أرشد من اليهود والنصارى ، فأنزلناه عليكم لقطع حججكم ، ثم قال على سبيل التحدي بهم حاذفا للشرط إن كنتم صادقين فيما تدعونه (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ) أي حجة واضحة (مِنْ رَبِّكُمْ) وهي القرآن مع محمد عليهالسلام (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) أي وأمن من العذاب فاتبعوه ، ثم قال توبيخا لهم بالاستفهام (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) بعد ما عرفها ، أي لا أحد أشد ظلما ممن عرف حقيتها (١)(وَصَدَفَ عَنْها) أي أعرض عن الإيمان بها ، ثم قال تهديدا (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ) أي سنعاقب المعرضين (عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) أي شدته (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) [١٥٧] أي يعرضون عن الآيات.
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
قوله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) بالياء والتاء (٢) ، تبكيت لهم واستبطاء الإيمان منهم بعد إنزال الكتاب عليهم وإقامة الحجة على صدق محمد عليهالسلام بالاستفهام بمعنى النفي ، أي ما ينتظرون بترك الدخول في الإسلام إلا أن تجيئهم (٣) الملائكة لقبض أرواحكم (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) أي أمر الله وقضاؤه بالعذاب (٤) من حيث لم يحتسبوا في الدنيا أو في الآخرة (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) وهو الموت أو طلوع الشمس من مغربها (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) كطلوع الشمس من مغربها ، ظرف ، عامله (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) إذا آمنت (٥) فيه ، وصفة «نَفْساً» (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) أي قبل ظهور الآيات أو الجملة حال من «ها» في (إِيمانُها) ، وعطف على «آمنت» (أَوْ كَسَبَتْ) أي لم تكن كسبت (فِي إِيمانِها) السابق على ظهور الآيات (خَيْراً) أي توبة أو عملا صالحا ، وفي ظاهر هذا الكلام دلالة على أن الإيمان السابق الخالي عن فعل الخير لا ينفع مطلقا ، ولكنه ينفع في عدم التخليد في العذاب لورود النصوص (٦) في ذلك ، والعقل لا ينافيه ولا ينفع في دفع العذاب جزاء على الإثم والإيمان عند ظهور الآيات لا ينفع مطلقا ، وكذا توبة الفاسق لا تنفع عنده ولا فعل خير (٧) ، قال عليهالسلام : «ثلث إذا خرجن لم ينفع نفسا ، إيمانها لم تكن آمنت الدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها» (٨) ، قال ابن عباس رضي الله عها : «لا يقبل الله من كافر عملا ولا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيرا يومئذ ، فانه لو أسلم بعد ذلك قبله منه ، ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبلت منه لمعرفته (٩) السابقة مع الله» (١٠) ، ثم أمر تعالى نبيه بقوله (قُلِ) يا محمد لهم تهديدا (انْتَظِرُوا) بالعذاب (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) [١٥٨] بكم حتى ننظر أينا أسعد حالا وأحمد عاقبة.
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) بالتشديد ، أي آمنوا ببعض الرسل ولم يؤمنوا ببعض ، وقرئ «فارقوا»
__________________
(١) حقيتها ، ب س : حقيقتها ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٩٦.
(٢) «تأتيهم» : قرأ الأخوان وخلف بياء التذكير ، والباقون بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ١١٣.
(٣) إلا أن تجيئهم ، س : إلا أن يجيئهم ، ب م.
(٤) بالعذاب ، ب م : من العذاب ، س.
(٥) آمنت ، ب س : آمن ، م.
(٦) النصوص ، ب م : النص ، س.
(٧) ولا فعل خيره ، ب س : ولا فعل خيره غيره ، م.
(٨) رواه مسلم ، الإيمان ، ٢٤٩ ؛ والترمذي ، تفسير القرآن ، ٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٤٥.
(٩) لمعرفته ، ب م : بمعرفته ، س.
(١٠) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٢٦.