(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣))
(وَهُوَ اللهُ) مبتدأ وخبر ، وخبر آخر (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) أو متعلق بمعنى اسم الله ، أي هو الإله المعبود فيهما لا شريك له أو المتفرد بالتدبير فيهما أو هو الذي يقال له الله فيهما لا يشرك به في هذا الاسم كقوله (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)(١) ، قوله (٢)(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ) كلام مستأنف بمعنى هو يعلم أو خبر ثالث ، أي يعلم سر أعمالكم (وَجَهْرَكُمْ) أي علانية أعمالكم ، يعني السر والجهر عنده سواء ، فاحذروا من عقابه (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) [٣] من الخير والشر فيجازيكم بذلك فآمنوا برسوله (٣) وما أنزل إليه قبل أن تجازوا (٤).
(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤))
ثم أخبر عن حال من أعرض عن الإيمان بالرسول من المشركين بقوله (وَما تَأْتِيهِمْ) أي أهل مكة (مِنْ آيَةٍ) أي علامة الوحدانية كانشقاق القمر وآي القرآن ، و (مِنْ) زائدة في الفاعل بعد النفي ، و (مِنْ) في (مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) تبعيض ، أي آية هي بعض آيات خالقهم (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [٤] أي تاركين الإيمان بها بالتكذيب ، نزل حين سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يريهم علامة على صدقه في دعوى الرسالة ، وقالوا نريد أن تدعو ربك لينشق القمر بنصفين لنؤمن بك وبربك ، فدعا رسول الله عليهالسلام ، فانشق القمر بنصفين وهم ينظرون إليه ، فقالوا هذا سحر مبين (٥).
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥))
فقال تعالى (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ) الفاء في جواب شرط محذوف (٦) ، تقديره : إن كان معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وهو الحق (٧) ، أي القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) يعني استهزؤا به ، وقالوا : إنه ليس بقرآن نازل من الله (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ) أي أخبار (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [٥] أي سيظهر لهم وبال استهزائهم عند نزول العذاب بهم أما في الدنيا أو في الآخرة (٨).
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦))
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قبل أهل مكة (مِنْ قَرْنٍ) أي جماعة مقترنين في زمان واحد (مَكَّنَّاهُمْ) أي أعطيناهم مكانا (فِي الْأَرْضِ) يعني منزلا تمكنوا فيه بالمال والولد وأسباب المعيشة (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) يا أهل مكة ، فيه نقل من الغيبة إلى الخطاب لتأكيد الإرهاب (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) أي مطرا متتابعا عند الحاجة ، وهو حال من «السَّماءَ» (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي) أي جارية (مِنْ تَحْتِهِمْ) في بساتينهم الواسعة بأنواع النعم ، فكفروا بربهم كعاد وثمود وغيرهم (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي بتكذيبهم رسلهم (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد هلاكهم (قَرْناً آخَرِينَ) [٦] أي جماعة أخرى لا يماثلونهم ، وذكر هذه الجملة لإظهار قدرته الباهرة لأهل مكة ليحذروا فيؤمنوا ، يعني لا يتعاظمه أن يهلك قرنا ويحدث بعدهم قرنا آخر أطوع ، ونصب (٩)(قَرْناً) على أنه مفعول ثان (١٠) ل (أَنْشَأْنا).
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))
قوله (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً) أي مكتوبا (فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ) أي أخذوه (بِأَيْدِيهِمْ) معاينة لئلا يشكوا فيه
__________________
(١) مريم (١٩) ، ٦٥.
(٢) قوله ، س : ـ ب م.
(٣) فآمنوا برسوله ، ب س : وآمنوا برسولي ، م.
(٤) قبل أن تجازوا ، ب م : قبل أن تجاوزوا ، س.
(٥) وهذا منقول عن السمرقندي ، ١ / ٤٧٤.
(٦) شرط محذوف ، ب م : الشرط المحذوف ، س.
(٧) هو أعظم آية وهو الحق ، ب م : هو أعظم آية وأكبرها وهو الحق ، س.
(٨) أو في الآخرة ، ب م : وأما في الآخرة ، س.
(٩) ونصب ، س : ونصبه ، ب م.
(١٠) ثان ، ب م : ثاني ، س.