(لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي ما هذا الكتاب (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [٧] أي ظاهر لكل إنسان ، فلا يؤمنون به.
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨))
(وَقالُوا لَوْ لا) أي هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) من السماء ، نزل حين قالوا للنبي عليهالسلام : أنزل علينا كتابا مع ملائكة يشهدون بصدقك حتى نؤمن بك (١) ، فقال تعالى ردا عليهم (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً) عليهم من السماء وعاينوه ولم يؤمنوا (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي لوجب الحكم بهلاكهم عند حصول مرادهم (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [٨] أي لا ينتظر بهم طرفة عين حتى يعذبوا أو يهلكوا لعدم طاقتهم برؤيته ونوره المحرق أرواحهم.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩))
(وَلَوْ جَعَلْناهُ) أي رسولهم (مَلَكاً لَجَعَلْناهُ) أي الملك المرسل (رَجُلاً) أي على صورة البشر ليتمكنوا من رؤيته لضعف البشر عن مشاهدة الملك (وَلَلَبَسْنا) أي ولخلطنا (عَلَيْهِمْ) بادعائهم (٢) الملكية ، لأنه ملك في صورة رجل (ما يَلْبِسُونَ) [٩] أي ما يخلطون على أنفسهم حينئذ ، فيقولون هذا إنسان وليس بملك فكذبوه ، فوقع الأمر ملتبسا بالشك عليهم فخذلهم الله كما كانوا مخذولين.
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠))
ثم سلى نبيه عليهالسلام ليصبر على أذاهم بقوله (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي استهزأهم قومهم المرسل إليهم كما استهزأ بك قومك في أمر العذاب (فَحاقَ) أي نزل وأحاط (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) أي استهزؤا بالرسل (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [١٠] أي الشيء الذي استهزؤا به الرسل من الحق وهو العذاب.
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١))
قوله (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) خطاب للنبي عليهالسلام أن يقول للمشركين سافروا في البلاد للتجارة وغيرها من المنافع أو للاعتبار بمن مضوا من قبلهم (ثُمَّ انْظُرُوا) بنظر العقل لا بنظر الغفلة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [١١] بالرسل والكتب من المسخ والنسخ والخسف وغير ذلك من العذاب ، و (ثُمَّ) للتراخي والتباعد بين السير والنظر.
(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢))
ثم قالوا للنبي عليهالسلام إن فعلت هذا الفعل بنا لطلب المال فاترك هذا الفعل ونجمع لك مالا تصير به أغنى أهل مكة فنزل (٣)(قُلْ) لهم سائلا عنهم سؤال تبكيت (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي الذي فيهما ، فان أجابوا بالحق فبها ونعمت وإلا فأنت تقريرا لهم (قُلْ) ما في السموات والأرض كله (لِلَّهِ) فلا تقدرون على أن تعطوا منه شيئا إلى غيره هو القادر على الإعطاء والمنع ، ثم قال استعطافا لهم ليؤمنوا به (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجبها على ذاته الكريم ، فلا يعاجلكم بالعقوبة في الدنيا ، قال عليهالسلام : «إن لله مائة رحمة أنزل منها واحدة فقسمها بين الخلق فبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وادخر لنفسه تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» (٤) ، ثم قال مقسما والله (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في قبوركم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) واللام فيه جواب قسم محذوف (٥) دل عليه (كَتَبَ) أو «إلى» بمعنى في ، أي في يوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) أي في الجمع وهو البعث ، ثم قال تخويفا لهم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي باعوها في علم الله تعالى باختيار شهواتها بدل ما أعد لهم من النعيم في
__________________
(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٣٧.
(٢) بادعائهم ، س : بادعائه ، ب م.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٤٧٥.
(٤) أخرجه مسلم ، التوبة ، ١٩ ؛ وابن ماجة ، الزهد ، ٣٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦.
(٥) قسم محذوف ، ب م : القسم المحذوف ، س.