نظر استدلال (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي في ملكه العظيم الذي يدل عليه خلق السموات والأرض (وَما خَلَقَ) أي وفي ما خلق (اللهُ مِنْ شَيْءٍ) فيهما من الشمس والقمر والنجوم ، ومن الجبال والبحار والأشجار وغيرها ، فيعلموا أنه رب واحد لا شريك له ، قوله (وَأَنْ عَسى) في محل الجر عطف على (مَلَكُوتِ) ، و (أَنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمه ضمير الشأن ، أي ألم ينظروا (١) استدلالا في أن الشأن عسى (أَنْ يَكُونَ) الشأن (قَدِ اقْتَرَبَ) أي قرب (أَجَلُهُمْ) فيموتوا حتى يؤمنوا بالنبي عليهالسلام والقرآن ، فماذا ينتظرون بعد وضوح الحق قبل حلول العقاب بهم (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) أي بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) [١٨٥] إن لم يؤمنوا به ، فان هذا آخر الكتب المنزلة ليس بعده كتاب ، وهذه الجملة يتعلق بقوله «عسى أن يكون قد اقترب أجلهم» ، والمعنى : لعل أجلهم اقترب فما لهم لا يؤمنون بالقرآن قبل الفوت.
(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦))
(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) أي من يخذله الله بالضلالة عن دين الإسلام ولا يوفقه فلا مرشد له إليه (وَيَذَرُهُمْ) بالياء وبالنون وضم الراء على الاستئناف ، أي الله أو نحن نتركهم (فِي طُغْيانِهِمْ) أي في ضلالتهم (يَعْمَهُونَ) [١٨٦] أي يترددون بالتحير ، وقرئ بالجزم لجواب الشرط (٢) ، أي من يضلله يذره (٣).
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧))
ثم قريش (٤) أو اليهود (٥) سألوا النبي عليهالسلام متى الساعة فنزل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) أي عن وقت قيامها (٦)(أَيَّانَ) أي متى (مُرْساها) أي إرساؤها ، يعني إثباتها ، وسميت ساعة لسرعة حسابها أو لوقوعها بغتة ، فالساعة اثنتان ، ساعة يموت فيها الخلائق وساعة يبعثون بالحيوة بعد الموت ، والمراد هنا الأولى بدليل ما بعدها (قُلْ إِنَّما عِلْمُها) أي علم قيامها ومجيئها (عِنْدَ رَبِّي) لا عندي (لا يُجَلِّيها) أي لا يكشفها (لِوَقْتِها) أي في حينها (إِلَّا هُوَ) أي الله دون غيره لاختصاص ذلك به (ثَقُلَتْ) أي عظمت وخفيت معرفتها (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي على أهلهما ، لأن الشيء إذا خفي ثقل علمه (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي فجأة ، يعني على غفلة منكم (٧) ، قال عليهالسلام : «إن الساعة تهيج بالناس» (٨)(يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أي كأنك (٩) عالم مبالغ في السؤال عنها والتنقير ليستحكم علمه بها (١٠) ، من الحفاوة وهي المبالغة في السؤال عن الشيء والعناية به ، وكرر «يسألونك» وقوله «وإنما علمها عند الله» للتأكيد (١١) ، ولما جاء به من زيادة قوله «كأنك حفي عنها» في المكرر ، ثم أمر (١٢) نبيه عليهالسلام أن يبين لهم أن علم الغيب يختص بالله بقوله (قُلْ) يا محمد (إِنَّما عِلْمُها) أي علم قيام الساعة (عِنْدَ اللهِ) لا عندي ولا عند غيري ، يعني أن الساعة لا يعلم وقت مجيئها ولا يأتي بها بغتة إلا الله تعالى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [١٨٧] أنها آتية ولا يؤمنون باتيانها أو أنه العالم بها وإنه المختص بالعلم بها ، قيل : سأل
__________________
(١) أي ألم ينظروا ، ب م : أي لم ينظروا ، س.
(٢) «ويذرهم» : قرأ المدنيان والمكي والشامي بالنون ورفع الراء ، وقرأ البصريان وعاصم بالياء التحتية ورفع الراء ، وقرأ الأخوان وخلف بالياء التحتية وجزم الراء. البدور الزاهرة ، ١٢٦.
(٣) يذره ، ب س : نذره ، م.
(٤) عن قتادة ، انظر الواحدي ، ١٩٢ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٧٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠.
(٥) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٩٢.
(٦) أي عن وقت قيامها ، م : أي عن قيامها ، ب س.
(٧) منكم ، ب م : فيكم ، س.
(٨) انظر الكشاف ، ٢ / ١٤٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٩) كأنك ، س : ـ ب م.
(١٠) والتنقير ليستحكم علمه بها ، ب س : ـ م.
(١١) للتأكيد ، ب س : تأكيدا ، م.
(١٢) أمر ، س م : ـ ب.