النبي عليهالسلام رجل متى الساعة؟ فقال عليهالسلام : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» (١) ، يعني كلنا مساو (٢) في عدم العلم بوقت مجيئها.
(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨))
قوله (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) نزل حين قال المشركون إن كنت تعلم الغيب من ربك هلا تشتري الطعام قبل الغلاء بالبيع الرخيص فتستربح به (٣) أو هلا تستخرج الكنوز من الأرض لتغني وتخلص من الفقر (٤) ، فأمره تعالى بأن يعترف أنه عبد محكوم عليه بالوحي ، أي قال لا أقدر لنفسي أن أوتي لها نفعا ، أي خيرا أو أدفع ضرا ، أي فقرا ، بل القادر عليه هو الله المالك لهما (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن يوصله إلى من النفع والضر ، لأنه إن شاء أغنى عبده وإن شاء أفقره (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) كعلم مواضع الكنوز لأستخرجتها و (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) أي المنافع (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) أي المضار من القحط والشدة (إِنْ أَنَا) أي ما أنا (إِلَّا نَذِيرٌ) أي عبد محذر للمشركين بعذاب النار (وَبَشِيرٌ) أي ومبشر بالجنة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [١٨٨] أي يصدقون بقيام الساعة بعد الموت.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩))
قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) تعجيب للمشركين من أهل مكة من إشراكهم بالله شيئا مع علمهم بأنه خالقهم ورازقهم ، أي الله الذي خلقكم من نفس آدم (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي وخلق من نفس آدم حواء أو جعل من جنسها زوجها (لِيَسْكُنَ) أي آدم ، ذكر الضمير في «ليسكن» ردا إلى معنى «نفس» وهو آدم ، يعني ليطمئن (إِلَيْها) ويأنس بها ليتغشاها ، لأن الجنس إلى الجنس أميل لا سيما إذا كان بعضه (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي جامعها (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) بحمل المني لم يثقل عليها كما يثقل عليها كما يثقل على بعض الحبالى فتكرب وتتأذى ، لأنه أول الحمل (فَمَرَّتْ بِهِ) أي فمضت بالحمل قياما وقعودا ما درت أهي حبلى أم لا (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) أي حان وقت ثقل حملها في بطنها وقرب وضعها فأحست به (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) أي دعى آدم وحواء الله خالقهما ومالك أمرهما ، قيل : لما قرب وضع حملها جاءها إبليس ، فقال ما هذا الذي في بطنك؟ قالت : ما أدري ، فقال : أخاف أن يكون بهيمة وإني من الله بمنزلة وقربة ، فان دعوت الله وولدت ولدا صالحا إنسانا أتسمينه باسمي؟ قالت : نعم ، وما اسمك؟ قال : عبد الحارث ، فكذب اللعين ، وكان اسمه في الملائكة الحارث ، فقالت ذلك لآدم فدعوا الله الذي هو الحقيق بأن يدعى ويلتجأ إليه قائلين (٥)(لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) أي ولدا إنسانا سويا صحيح البدن بريئا من العيب (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [١٨٩] لك على كل حال.
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠))
(فَلَمَّا آتاهُما) أي أعطى آدم وحواء ولدا (صالِحاً) أي صحيح البدن كما طلبا (جَعَلا) أي جعل آدم وحواء (لَهُ) أي لله (شُرَكاءَ) بكسر الشين ، أي ذوي شرك ، إذ الشرك ليس لهما أو الشرك بمعنى الإشراك ، أي أحدثا إشراكا له تعالى ، وقرئ شركاء (٦) جمع شريك ، وأراد بلفظ الجمع الشيطان للمبالغة ، يعني جعلاه شريكا له تعالى
__________________
(١) روى البخاري نحوه ، الإيمان ، ٣٧ ؛ ومسلم ، الإيمان ، ١ ، ٥ ، ٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٨٧.
(٢) مساو ، ب س : متساو ، م.
(٣) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٨٧ ؛ والواحدي ، ١٩٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٧٩ ـ ٥٨٠ (عن ابن عباس).
(٤) لعل المفسر اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٨٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٨٠.
(٥) نقله عن البغوي ، ٢ / ٥٨١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٨٨.
(٦) «شركاء» : قرأ المدنيان وشعبة بكسر الشين وإسكان الراء وتنوين الكاف من غير همز ، والباقون بضم الشين وفتح الراء ومد الكاف وهمزة مفتوحة بعد المد وحذف التنوين. البدور الزاهرة ، ١٢٧.