عنه (فِيما آتاهُما) أي في الولد الذي أعطاهما بتسميته عبد الحارث من غير اعتقاد لذلك ، روي : «أن إبليس خدعهما مرتين ، مرة في السماء ومرة في الأرض» (١) ، وقيل : الضمير في (جَعَلا) وفي (آتاهُما) لأولادهما ، ففيه حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه (٢) ، تقديره : فلما آتى أولادهما صالحا جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما بأن سمى بعضهم ولده عبد الشمس وبعضهم عبد العزى وبعضهم عبد يغوث أو عبد يعوق إلى غير ذلك ، وهذا التأويل حسن ، لأن آدم وحواء بريئان من الشرك ، ويؤيد ذلك التأويل قوله (فَتَعالَى اللهُ) عن ما (يُشْرِكُونَ) [١٩٠] أي الله علا وجل من أن يوصف بالشرك (٣).
(أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١))
ثم قال تعالى بهمزة الإنكار توبيخا لمشركي مكة (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً) وهو (٤) آلهتهم (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [١٩١] أي يصنعون بأيديهم وجمعوا بالواو والنون على زعمهم أنهم آلهة أو إبليس معهم.
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢))
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ) أي لا يقدر آلهتهم (لَهُمْ) أي لعبدتهم (نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ) أي أنفس الآلهة (يَنْصُرُونَ) [١٩٢] من كسر وغيره من النوازل بهم ، بل عبدتهم يدفعون عنهم فالمعبود أضعف من العابد وأذل.
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣))
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) أي وإن تدعوا الأصنام أيها المشركون (إِلَى الْهُدى) أي إلى مصالحكم وصالح دينكم (لا يَتَّبِعُوكُمْ) مخففا ومشددا (٥) ، أي لا تجيبكم آلهتكم ، لأنهم أجساد لا أرواح فيها ، والله تعالى يجيب من دعاه بالإخلاص (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) يا أهل مكة (أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) [١٩٣] عن الدعاء ، يعني آلهتكم لا يجيبونكم في وقت ما سواء عليكم دعوتكم إياهم وصمتكم عن دعائهم في أنه لا فلاح لكم معهم ووضع «أنتم صامتون» الجملة الاسمية مقام صمتم الجملة الفعلية ليتساوى (٦) رؤوس الآي ، وليدل على أن عادتهم الصمت لا الدعاء ، لأنهم كانوا إذا نزل بهم أمر دعوا الله دون أصنامهم.
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤))
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي تعبدونهم (مِنْ دُونِ اللهِ) أي مما يغاير الله من الأصنام (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) أي مخلوقة مملوكة متصرف فيها أشباهكم وليسوا بآلهة ليعدوا بهم (٧) ، ثم قال بيانا لعجزها (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) دعاءكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [١٩٤] في أنهم آلهة.
(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥))
ثم قال توبيخا لهم على عبادة من هو أعجز منهم (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) أي يأخذون بالأيدي (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) يعني أنهم عجزة وأنتم أقدر منهم ، فكيف تعبدونهم وتشتغلون بشيء لا منفعة لكم فيه ، ثم أمر النبي عليهالسلام بقوله (قُلِ) إن تقول احتقارا بهم وبمعبوديهم (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي الهتكم التي وصفتموهم بالشركة له تعالى ليعاونوكم في إهلاكي (ثُمَّ كِيدُونِ)
__________________
(١) نقله عن البغوي ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٨٢.
(٢) اختصره من البغوي ، ٢ / ٥٨٢ ـ ٥٨٣ ؛ أو الكشاف ، ٢ / ١٥١.
(٣) أن يوصف بالشرك ، م : أن يصفه أولادهما بالشرك ، ب س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٨٨.
(٤) وهو ، ب م : وهم ، س.
(٥) «لا يتبعوكم» : قرأ نافع بسكون التاء وفتح الباء ، والباقون بفتح التاء وتشديدها وكسر الباء. البدور الزاهرة ، ١٢٧.
(٦) ليتساوى ، ب س : يتساوى ، م.
(٧) بهم ، م : ـ ب س.