فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)
____________________________________
[٣٠] (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي صنعت هذا البشر ، بأن أتممت صورته وقالبه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) الإضافة تشريفية ، أي من الروح التي هي من قبلي ، والأشياء كلها من قبل الله ، ولكن ربما يضاف شيء إليه لبيان شرافته ، كما أن البيوت كلها له ، لكن يضاف البيت الحرام إليه تشريفا ، كما أن الاضافة في (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) (١) كذلك ، وإن كانت الأشياء كلها كلمات الله ، والنفخ هو إجراء الريح في الشيء باعتماد ، ولو كان النفخ بآلة أو ضغط الهواء ، كما أنه هو المراد هنا ، (فَقَعُوا) الفاء عاطفة ، و «قعوا» أمر من وقع يقع ، نحو «قفوا» (لَهُ) أي لآدم (ساجِدِينَ) أي وقوعا بهيئة السجود.
[٣١] وضع الله آدم ، ونفخ فيه من روحه ، حتى جاء دور السجود من الملائكة (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وإنما جيء بهذا التأكيد بعد التأكيد لأمرين :
الأول : التأكيد على استيعاب الملائكة ، فإن الذهن الأولي يستبعد أن الملائكة على كثرتها الخارجة من الفكر ، واختلاف أعمالها ، وتفرق جهاتها ، تجتمع كلها للسجود فيظن أن العموم مجازي ، وذلك لا يرفعه حتى تأكيد واحد ، ألا ترى إنك لو قلت استقبل الفقيه من في المدينة كلهم ، لا يكاد يظن الإنسان إلا أن المراد ب «كل» الأغلب ، لاستبعاد أن يستقبله كل من في المدينة من رجل وامرأة ومسلم وذمي ،
__________________
(١) النساء : ١٧٢.