قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ
____________________________________
من أنهم يكرهون بنيامين ، ألم يقولوا قبل أيام (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ)؟ أما الشواهد فلم تكن كافية ، إذ من المحتمل أنهم هم الذين دسّوا الصاع في رحل بنيامين ليسببوا له هذه المشكلة ، وقد قرروا هم أن من وجد الصاع في رحله فهو جزاؤه ، أما بقاء أكبر الأخوة ، فذلك ليس بأعظم من عملهم قبل مدة إذ (جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) فقد قدروا بقاء الأخ هناك لرفع هذه المكيدة عنهم ، وأهل المدينة والعير قد رأوا إبقاء الملك لبنيامين ، لكن لعلم علموا أن ذلك لم يكن بكيد منهم ، ولذا شك يعقوب بهم وأساء الظن في قصتهم ف (قالَ) عليهالسلام (بَلْ سَوَّلَتْ) أي زينت وسهلت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) فلنسلم أنه سرق ، ولكن من علم الملك ، باتخاذ إجراء عقوبة السارق في مدينتنا ، على السارق في مدينتهم ، مع أن حكمهم يختلف عن حكمنا ، وليس ذلك إلا الجزاء ، لا البقاء ألستم أنتم قلتم له ذلك؟ وقد كان يعقوب عليهالسلام صادقا في ذلك إذ هم الذين قرروا هذا الجزاء أما أن يعقوب عليهالسلام كيف لم يعرف صدقهم؟ فالجواب أن الأنبياء لا يعلمون إلا ما يريده الله سبحانه من الغيب ، كما قال (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١) فأمري في هذه القصة ـ أيضا ـ كقصة يوسف من قبل (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) لا شكوى فيه ، ولا جزع بأن أقول ما يغضب الله سبحانه (عَسَى) لعل (اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ) بيوسف وبنيامين ويهودا أكبر الأخوة الذي بقي هناك
__________________
(١) الجن : ٢٧ و ٢٨.