أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً
____________________________________
الإنسان وينتفع منه ، فالحياة والجمال هما من الباقي الذي هو مثل للحق ، والباطل لا يمثل إلا دور الزبد الذي يعلو ـ في النظر ـ أولا ، ثم لا يلبث أن يذهب ويضمحل ، فلا يبقى منه شيء ، ولم ينفع شيئا ، الزبد مثال للباطل الذي يتخذه هؤلاء المشركين ، كالأصنام ، التي لا تنفع ، وإن ظهرت أول الأمر غالبة على الحق ، والماء والحلية مثال للحق ، الذي يتخذه المؤمنون للحياة والتجمل ، وإن علاه الباطل ـ كالزبد الرابي على الماء ، والحلية ـ ابتداء ، (أَنْزَلَ) سبحانه (مِنَ السَّماءِ ماءً) أي المطر ، والمراد من السماء ، جهة العلو (فَسالَتْ) أي جرت (أَوْدِيَةٌ) جمع وادي ، وهو النهر (بِقَدَرِها) أي كلّ بقدره ، فالنهر الصغير أخذ من ذلك الماء قدرا قليلا ، والنهر الكبير ، أخذ من ذلك الماء قدرا كثيرا ـ وكان بيان إنزال الماء من السماء لتشبيه الحق المنزل به ، فإن الحق ينزل من الماء ، ثم يختلط به الباطل ، إذ الباطل إنما يروج نفسه باسم الحق ، وبعد ذلك ، يذهب الباطل ، ويبقى الحق ، وهكذا الماء ، فإنه ينزل من السماء صافيا ، ثم يعلوه الزبد في الأرض ، وكان وجه ذكر (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) بيان أن الحق هكذا في مجاري الأمم ، فرب أمة أخذت من الحق كثيرا حسب طيب نفوسها ، وحسن الدعوة فيها ، ورب أمة أخذت من الحق قليلا ، حسب خبث نفوسها وبعد الدعوة عنها ، (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ) أي أخذ السيل ، الذي يمر في الأودية ، من سال الماء ، إذا جرى (زَبَداً رابِياً) أي طافيا على الماء ، من ربي بمعنى علا ، فإن الماء لا يلبث أن يظهر ، والزبد لا يلبث