الثانية : أنّ هذا العطاء الإلهي المادي ليس مرتبطا بالفضل والامتياز عند الله والقربى لديه ، كما هو شأن العطاء البشري ومقاييسه ، بل قد يكون العكس هو الصحيح (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ)(١). فإنّ ظاهر هذه الآية الكريمة هو : أنّه لو لا مخافة أن يكون الناس امة واحدة على الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن ... وقد يكون ذلك تعويضا لهم عمّا يلحق بهم من الخسران والعذاب في الدار الآخرة ، فإنّ «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (٢).
ومن هذه الملاحظة يمكن أن نستنتج :
أنّ هذا المقطع جاء ليضرب مثلا واقعيا تجاه هذه الحقيقة والفكرة التي عاشتها الإنسانية ، وهذا المثل هو : موقف فرعون من دعوة موسى ؛ إذ نزلت الرسالة على شخص فقير مطارد ، ويتعرّض قومه إلى الاضطهاد ، مع أنّ فرعون هو صاحب الثروة والغنى.
والذي يؤكد هذا الاستنتاج أنّ المقطع يتبنى إظهار جانب ما يتمتع به فرعون من ثروة وملك وغنى في مقابل موسى الذي هو مهين على حد تعبير فرعون ، وليس في المواضع الاخرى من القرآن ما يشبه هذا الموقف من فرعون.
فالتكرار فرضه السياق القرآني إلى جانب تحقيق الغرض الديني.
الموضع السابع عشر :
الآيات التي جاءت في سورة الذاريات ، وهي قوله تعالى :
__________________
(١) الزخرف : ٣٣.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٦٣.