وهنا نجد إبراهيم عليهالسلام :
١ ـ قد أخذ ينتقد بشكل علني وواضح عبادة قومه للاصنام ، ويستنكر عليهم ذلك ، ويحتج على هذا الانحراف والضلالة بأنّ هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر ، ولا تملك الرزق ، ولا تسمع الدعاء ، ولا تبصر الأشياء ، وأنّها إفك قد افتراه الناس على الله تعالى والحقيقة. ولم يجد جوابا عن هذا الاحتجاج والاستنكار إلّا جوابا واحدا ، وهو : أنّهم يقلّدون آباءهم الاقدمين في هذه العبادة.
٢ ـ ولمّا ألحّ عليهم بالاحتجاج والطلب أخذوا يستغربون منه ذلك ، ويتعجبون من حديثه ، وهل هو حديث جدّ وحقّ أو كان يلعب ويمزح معهم (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)(١). ولكنّه عليهالسلام أكّد أنّه جاء بالحقّ وأنّ الربّ هو الله ـ تعالى ـ ربّ السماوات والأرض الذي فطرهن ، وأنّه هو الشاهد على الحقيقة المطلع على هذا الواقع (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ* وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(٢).
ثمّ أخذ يتوجه إلى ربّه بالدعاء مؤكدا ذلك (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ* وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ* وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ* وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ* وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(٣).
٣ ـ وفي تطور آخر آخذ يعظهم ، ويذكّرهم بالآخرة والنشأة الآخرة
__________________
(١) الأنبياء : ٥٥.
(٢) الشعراء : ٧٨ ـ ٨٢.
(٣) الشعراء : ٨٣ ـ ٨٩.