وعلى أساس هاتين الملاحظتين يمكن أن نستنتج : أنّ القرآن الكريم يبدو وكأنّه يريد أن يذكر أهل الكتاب ويفتح الطريق أمامهم ؛ ليحقّقوا أهدافهم الصحيحة من وراء الدين والشريعة باستجابتهم لدعوة الإسلام ، ولا يكون موقفهم كموقف قوم موسى حين دعاهم إلى دخول الأرض المقدسة ، مع أنّها امنيتهم وهدفهم ، فتفوتهم الفرصة السانحة ، ويصيبهم التيه الفكري والعقائدي والاجتماعي في عصر نزول الرسالة ، كما أصابهم التيه السياسي والاجتماعي من قبل.
ومن هنا نعرف السر الذي كان وراء اكتفاء القرآن الكريم بذكر هذا الموقف الخاص لبني إسرائيل دون غيره ؛ لأنّه هو الذي يحقّق هذا الغرض خصوصا إذا عرفنا أنّ هذه القصّة ممّا يؤمن به اليهود والنصارى. كما أنّ هذا الجانب من القصّة لم يذكر في القرآن الكريم إلّا في هذا الموضع.
الموضع الرابع :
الآيات التي جاءت في سورة الأعراف ، والتي تبدأ بقوله تعالى :
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) والتي تختم بقوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١).
ونلاحظ في هذا الموضع من القصّة عدّة امور :
الأوّل : أنّ القصّة جاءت في عرض قصصي مشترك مع قصّة نوح ، وهود ، ولوط ، وشعيب عليهمالسلام ، تكاد تتحدّد فيه صيغة الدعوة والتكذيب والعقاب الذي ينزل بالمكذبين.
__________________
(١) الاعراف : ١٠٣ و ١٧١.