ويلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصّة ما يلي :
أوّلا : أنّه جاء في سياق المطاليب التعجيزية المتعدّدة التي كان يقترحها المشركون والكفار على الرسول صلىاللهعليهوآله وعدم اكتفائهم بالقرآن الكريم دليلا ومعجزة على النبوة : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً* وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً)(١).
ثانيا : أنّ القرآن الكريم يعقّب على القصّة بالحديث عن القرآن بقوله :
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً)(٢).
ثالثا : أنّ القرآن لم يشر في هذا المقطع من القصّة إلّا إلى الآيات التسع التي جاء بها موسى ، ورفض فرعون دعوته ومصيره بسبب هذا الرفض.
ويمكن أن نستنتج من هذه الملاحظة :
أنّ القصّة إنّما جاءت هنا شاهدا على أنّ هذه المطالب المتعدّدة التي صدرت من الكفار لم تكن بسبب حاجة نفسية يحسها هؤلاء الكافرون تجاه هذه المطاليب ، وإنّما هو اسلوب عام يتذرع به الكفار للتمادي في الضلال والإصرار عليه. والشاهد على ذلك قصّة موسى عليهالسلام ؛ إذ جاء موسى بتسع آيات ومع ذلك فقد كان موقف فرعون منها موقف المكذبين ، بالرغم من أنّ هذه الآيات التسع جاءت في أزمنة متعدّدة.
__________________
(١) الإسراء : ٨٩ ـ ٩٢.
(٢) الإسراء : ١٠٥.