فالسياق هو الذي فرض الإتيان بالقصّة على أساس الاستشهاد بها ، وهذا شيء تفرضه طبيعة الواقع التأريخي لرسالة موسى الذي أرسله الله ـ سبحانه ـ بالآيات التسع.
كما أنّ التكرار كان بسبب تأكيد مفهومين :
الأوّل : أنّ طلبات الكفار وتمنياتهم ليست نتيجة لواقع نفسي يدعوهم إلى الشك بالرسالة ويفرض عليهم التأكد من صحتها ، ولا يكون عدم إتيان الرسول بمطاليبهم ـ حينئذ ـ بسبب فقدان صلته بالسماء ، وإنّما بسبب كفاية القرآن الكريم لإقامة الحجّة عليهم ، كما دلت الآية الكريمة بعد القصّة على ذلك.
الثاني : أنّ مصير هؤلاء المكذبين كمصير فرعون من الهلاك والهزيمة ، وأنّ أتباع النبي يصيرون إلى ما صار عليه بنو إسرائيل من وراثة الأرض.
الموضع التاسع :
الآيات التي جاءت في سورة الكهف ، والتي تبدأ بقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً* فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً)(١) والتي تختم بقوله تعالى : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(٢).
__________________
(١) الكهف : ٦٠ ـ ٦١.
(٢) الكهف : ٨٢.