ويبدو هذا المقطع منفصلا عن قصّة موسى المذكورة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم ؛ لأنّه يتحدّث عن جانب معين من شخصية هذا الإنسان يختلف عن الجوانب الاخرى التي تصوّرها القصّة ، والتي تظهر فيها شخصية موسى النبي صاحب الرسالة والدعوة الذي يجاهد من أجل التوحيد وإقامة العدل الإلهي والدفاع عن المستضعفين ، أو تتحدّد فيها معالم هذه الشخصية من خلال سيرته ونشأته الذاتية ، أمّا هنا فيبدو موسى الإنسان الذي يسير في طريق التعلم والحريص على تفسير الظواهر غير العادية.
وحين نلاحظ أنّ القرآن الكريم يأتي بهذا المقطع في سياق قوله تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً* وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)(١) قد نستنتج : أنّ الإتيان به كان من أجل التدليل على مدى مطابقة الحكمة الإلهية للمصلحة ، وانسجامها مع واقع الأشياء مهما بدت غير واضحة المقصد والهدف.
فإنّ هاتين الآيتين اللتين جاء المقطع في سياقهما تشيران إلى وجود حكمة إلهية من وراء تأخير العذاب ، وعدم التعجيل به مع استحقاق الظالمين له ، مع أنّه قد يبدو في النظرة السطحية الإنسانية أنّ التعجيل بالعذاب أوفق بالمصلحة ، حيث يكون رادعا للآخرين عن الظلم ، فجاء المقطع تأكيدا لحقيقة الحكمة الإلهية ونظرتها البعيدة ، وأنّ هذه الحكمة قد تخفى حتى على الأنبياء أنفسهم ؛ إذ نلاحظ في هذا المقطع ثلاثة أعمال وتصرفات يقوم بها العبد الصالح كلّها تبدو في ظاهرها أنّها بعيدة عن
__________________
(١) الكهف : ٥٨ ـ ٥٩.