المعصية صارت كنيّة مجرّدة ، وهو غير مؤاخذ بها. ومن دلالتها على انتهاك الحرمة وجرأته على المعاصي.
وقد ذكر بعض الأصحاب (٢٥) : أنّه لو شرب المباح تشبّها بشرب المسكر فعل حراما ، ولعلّه ليس (٥٤) لمجرّد النيّة (٥٥) بل بانضمام فعل الجوارح ، ويتصوّر محلّ النظر (٥٦) في صور : منها : ما لو وجد امرأة في منزل غيره ، فظنّها أجنبيّة فأصابها ، فبان أنّها زوجته أو أمته. ومنها : ما لو وطئ زوجته بظنّ أنّها حائض ، فبانت طاهرة. ومنها : ما لو هجم على طعام بيد غيره فأكله ، فتبيّن أنّه ملكه. ومنها : ما لو ذبح شاة بظنّها للغير بقصد العدوان ، فظهرت ملكه. ومنها : ما إذا قتل نفسا بظنّ أنّها معصومة ، فبانت مهدورة. وقد قال بعض العامّة : نحكم بفسق المتعاطي ذلك ؛ لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ، ويعاقب في الآخرة ما لم يتب عقابا متوسّطا بين الصغيرة والكبيرة. وكلاهما تحكّم وتخرّص على الغيب (٢٦) ، انتهى.
______________________________________________________
٥٤. فليس بينه وبين ما ذكره من العفو عن نيّة المعصية منافاة.
٥٥. يعني نيّة التشبّه. وحرمة هذه النيّة بضميمة فعل التشبّه إنّما هي لأجل ما دلّ على أنّ من تشبّه بقوم فهو منهم ، وما دلّ على حرمة الإسلام ونحو ذلك.
٥٦. لا يذهب عليك أنّ في تكثير صور محلّ النزاع إشارة إلى أقسام المحرّمات من الأعراض والأموال والنفوس. فالاوليان مثالان للأوّل ، ولكن إحداهما من قبيل ما كانت حرمته ذاتيّة ، والاخرى من قبيل ما كانت حرمته عرضيّة. والثالثة والرابعة مثالان للثاني ، ولكن إحداهما من قبيل ما كانت فيه منفعة للفاعل ، بخلاف الاخرى. والخامسة مثال للنفوس.
وكيف كان ، ففي جعل ما عدا الصورة الثانية ـ بل هي أيضا ـ من موارد محلّ النظر محلّ نظر ، إذ الظنّ في ما عداها مطابق للاصول والقواعد الشرعيّة ، فمخالفته مخالفة لتلك الاصول والقواعد ، ومخالفتها معصية محضة كما هو ظاهر الفقهاء. فتلك الموارد ليست من موارد التجرّي أصلا ، لاستصحاب عدم تحقّق