.................................................................................................
______________________________________________________
مؤدّى دليل الانسداد إلى بعض الوجوه قال : «والجواب : أنّ تكليف ما لا يطاق وانسداد باب العلم من جهة الأدلّة المقتضية للعلم أو الظنّ المعلوم الحجّية مع بقاء التكليف يوجب جواز العمل بما يفيد الظنّ ، يعني : في نفسه مع قطع النظر عمّا يفيد ظنّا أقوى. وبالجملة ، ما يدلّ على مراد الشارع ولو ظنّا ، لكن من حيث إنّه يفيد الظنّ لا أنّه يوجب جواز العمل بالظنّ المطلق النفس الأمري. وهذا المعنى قابل للاستثناء ، فيقال : إنّه يجوز العمل بكلّ ما يفيد الظنّ بنفسه ويدلّ على مراد الشارع إلّا القياس ، وبعد وضع القياس من البين فإذا تعارض باقي الأدلّة المفيدة للظنّ فحينئذ يعتبر الظنّ النفس الأمري ، وتلاحظ القوّة والضعف ، بل لا يبقى حينئذ ظنّ ضعيف ، بل الأقوى يصير ظنّا والأضعف وهما» انتهى. وغير خفيّ أنّ ما جعله نتيجة دليل الانسداد ـ من جواز العمل بما يفيد الظنّ بنفسه ، مع قطع النظر عمّا يفيد ظنّا أقوى ـ ليس إلّا اعتبار الظنّ النوعي.
نعم ، ربّما يبعّد اعتبار الظواهر من باب الظنّ النوعي أمران :
أحدهما : أنّ شيئا من الوجوه المتقدّمة لإفادة الظواهر للظنّ النوعي لا يفيد ذلك ، لأنّ أقواها استصحاب عدم القرينة أو قاعدته بعد الفحص عن مظانّها وعدم وجدانها ، ولا ريب أنّ المقصود الأصلي في المقام هو إثبات إفادة الأدلّة الشرعيّة التي نتداولها للظنّ النوعي ، وإفادتها ذلك فرع الفحص عن وجود القرائن والمعارضات والمخصّصات والمقيّدات في مظانّها ، ومظانّها هي الأخبار الصادرة عن أهل العصمة عليهمالسلام ، والفحص عنها غير ممكن ، لاندراس أكثرها ، إذ الموجود بأيدي العلماء اليوم ليس إلّا أقل قليل منها ، وقد قيل : إنّ زرارة قد حفظ خمسين ألف حديثا. وبالجملة ، إنّ شرط إفادتها للظنّ النوعي هو الفحص غير الممكن في المقام.
فإن قلت : إنّ ما ذكرت ينافي ما تقدّم من المصنّف رحمهالله عند الجواب عن حجّة الأخباريّين لعدم اعتبار ظواهر الكتاب ، من منع تحقّق العلم الإجمالي بوجود قرائن في غير ما بأيدينا اليوم من الأخبار المتعلّقة بالأحكام.